وأما الذي لا تنفك عنه الطرق غالبا فهذا يعفى عما يصيب منه دائما ; لأنه لا ينفك عنه الطرق فتأمله والله - تعالى - أعلم . طين الماء المستنقع [ ص: 152 ] في الطرقات وماء الرش
( فائدة ) ذكر ابن ناجي في شرح الرسالة والمدونة في الكلام على دم البراغيث أن ثمانية أشياء تحمل على الطهارة وهي طين المطر وأبواب الدور وحبل البئر والذباب يقع على النجاسة وقطر سقف الحمام وميزاب السطوح وذيل المرأة وما نسجه المشركون انتهى . والله - تعالى - أعلم .
ص ( وذيل امرأة مطال للستر )
ش : قال ابن عبد السلام : يعني أن ما ليس للرجل بل يجب عليها ستر رجليها ولها أن تبلغ بالإطالة شبرا أو ذراعا على ما جاء في ذلك فإذا قصدت بالإطالة الستر ثم مشت في المكان القذر المرأة لها أن تطيل ذيلها فمعفو عن الذيل الواصل إليها ، وفي الرطبة قولان المشهور لا يعفى والثاني أنه يعفى انتهى . فإن كانت النجاسة يابسة
والأصل في ذلك حديث لما سئلت عن ذلك فقالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أم سلمة } رواه يطهره ما بعده وغيره قال مالك في المدونة معناه في القشب اليابس والقشب بسكون الشين المعجمة وهو الرجيع اليابس أصله الخلط بما يفسده قاله مالك عياض . وقال ابن فرحون القشب بفتح القاف والشين المعجمة وجاء بكسر القاف وسكون الشين انتهى .
وقال الباجي في معنى الحديث : إن النجاسات في الطرقات لا يمكن الاحتراز منها مع التصرف الذي لا بد للناس منه فخفف أمرها إذا خفي عينها ولم تتيقن النجاسات ، فإذا مرت على موضع نجس ثم مرت على موضع طاهر أخفى عين النجاسة سقط حكمها ، ولو لم تمر على الموضع الطاهر حتى زالت النجاسة لوجب عليها غسلها وإنما يطهره ما بعده إذا لم تعلم به وخافت أن تكون أصابت ثوبها وهذا بمنزلة ما في الطرقات من الطين والمياه التي لا تخلو من العذرة والأبوال والأرواث وإذا غلب عليها الطين وأخفى عينها لم يجب غسل الثوب منها ، ولو ظهرت عين النجاسة لوجب غسله انتهى ملخصا .
وحاصله أنه يحمل الحديث على ما إذا شكت في إصابة النجاسة لها ، أو في نجاسة ما أصابها ولا يلزمها غسله في الصورتين على المشهور بل النضح في الأولى فقط . وقال التونسي الأشبه أن ذلك فيما لا تنفك منه الطرقات من أرواث الدواب وأبوالها ، وإن كانت رطبة فإن ذلك لا ينجس ذيلها للضرورة كما قال في الخف قال مالك سند : ولعمري إن تخريج ذلك على الخف حسن ; لأن غسل الثوب كل وقت فيه حرج ومشقة ربما كانت فوق مشقة غسل الخف فإن الخف بغسله وبنزعه ينشف ، والثوب إن تركه عليه مبلولا فمشقة إلى مشقة ، وإن نزعه فليس كل أحد يجد ثوبا آخر يلبسه انتهى ملخصا .
وما قالاه ظاهر لكنه خلاف مذهب المدونة وخلاف القول الثاني الذي عزاه الداودي لبعض أصحاب فإن ظاهره العموم في كل نجاسة . وقال مالك عن بعض أصحابنا تأويل ذلك إذا سحبت ذيلها في أرض ندية نجسة ثم جرته على أرض طاهرة ذكره ابن اللباد ابن عرفة وهذا قريب من المشهور أيضا فإن الواجب في ذلك النضح كما سيأتي في الكلام على النضح .
وقال الشيخ أبو الحسن اعترض على تفسيره بالقشب اليابس ; لأنه لا يعلق بالثوب ، وأي شيء يبقى حتى يطهره ما بعده والاعتراض للباجي ثم أجاب الشيخ أبو الحسن بأنه قد يكون القشب غبارا يعلق بالثوب فإذا مر على ما بعده طهره .
( تنبيهات الأول ) علم مما تقدم أن فرض المسألة على المشهور أن الذيل يابس . وجزم بذلك ابن عبد السلام - رحمه الله - في آخر كلامه فإنه استطرد إلى ذكر مسألة الرجل التي ذكرها المؤلف ثم قال : وكيفما كان فهو أشد من المشهور في ذيل المرأة أن الذيل يلبس والمكان كذلك والله - تعالى - أعلم .
( الثاني ) قول ابن عبد السلام شبرا ، أو ذراعا ظاهره الشك ، وفي آخر الموطإ إنه [ ص: 153 ] قال { إذا ينكشف قال فذراعا لا تزيد عليه أم سلمة } . وقال شيخ شيوخنا عليه الصلاة والسلام ترخيه شبرا فقالت الكمال بن أبي شريف الشافعي في تأليف له في العمامة : وأما النساء فيجوز لهن الإسبال ذراعا بذراع اليد وهو شبران كما أفادته روايةأبي داود انتهى .
قال الباجي وهذا أمر وارد بعد الحصر ومع ذلك فإنه يقتضي الوجوب فلا يحل للمرأة أن تترك ما تستتر به ، وقال قبله وهذا يقتضي أن نساء العرب لم يكن لهن خف ولا جورب كن يلبسن الخف ويمشين بغير شيء . وقال في كتاب الطهارة ولم يكن نساء العرب يلبسن الخف فكن يطلن الذيل انتهى .
فيفهم منه أن من لبست الخف ، أو الجورب لا تؤمر بإطالة الذيل والله - تعالى - أعلم .
وقول ابن عبد السلام لتستتر مفهومه أنها لو لبسته لا لقصد الستر لم يعف عنه والظاهر أنه كذلك فقد صرح الجزولي بأنه لا يجوز لها أن تجره للخيلاء كالرجل .
( الثالث ) عبارة المصنف أحسن من قول والمشهور أن ذيل المرأة المطال للستر يصيبه رطب النجاسة لا يطهر بما بعده ; لأنه أتى به على صورة المخالف للحديث والله - تعالى - أعلم . ابن الحاجب