ص ( ومنع بيع مسلم ، ومصحف وصغير لكافر )
ش : لما ذكر شرط انعقاد البيع ، وشرط لزومه ذكر ، وهو صحة تقرر ملك المشتري على المبيع ، ولو وجب عليه عتقه بعد ذلك فيجوز شراء من يعتق عليه ; لأن ملكه يتقرر عليه ، وذلك هو الموجب لعتقه عليه أعني تقرر ملكه عليه ، وأما المسلم ، والمصحف فلا يصح تقرر ملك الكافر عليهما فلا يجوز بيعهما منه بلا خلاف فإن وقع ذلك فاختلف فيه فمذهب المدونة أن البيع يمضي ويجبر الكافر على إخراج ذلك عن ملكه قال في المدونة في كتاب التجارة لأرض الحرب : فإن شرط جوازه ابتداء أجبر على بيعه من مسلم ، ولم ينقض شراؤه ا هـ . ثم قال : ولو كان الكافر المشترى له عبدا لمسلم فإنه يجبر على بيعه ; لأنه له حتى ينزعه سيده ا هـ . وصرح ابتاع الذمي أو المعاهد مسلما أو مصحفا بأنه المشهور ، وقال المازري : وأكثر أصحاب سحنون ينقض البيع ، وبه صدر مالك قال في التوضيح : بعد ذكر القولين ، وقيد ابن الحاجب ابن رشد الخلاف بأن يكون البائع عالما بأن المشتري نصراني قال : ولو باعه من نصراني ، وهو يظن أنه مسلم بيع عليه ، ولم يفسخ اتفاقا ا . هـ . قال في الواضحة : ويعاقب المتبايعان على القول بالفسخ ، ونقله ابن عبد السلام ، والمصنف في التوضيح قال ابن عبد السلام : قلت : وينبغي أن يعاقبا أيضا على مذهب المدونة إلا أن يعذرا بالجهل انتهى .
وقال في التوضيح : أيضا إلا أنه لم يعزه لابن عبد السلام بل ظاهر كلامه أنه من عنده ، وأسقط منه قوله إلا أن يعذرا بالجهل قال ابن عرفة عن ابن حارث : وفي مبايعة الكافر بالعين فيها اسم الله قول ابن القاسم فيها كراهة ، وأعظم ذلك وقول مالك ابن عبد الحكم لا بأس بذلك أو قول ابن القاسم في التجارة لأرض الحرب ا هـ . وكذا يحرم أو غيرها ممن يتقوون به في الحرب من نحاس ، وخرثي ، وغيره ا هـ . قال بيع الحربيين آلة الحرب من سلاح أو كراع أو سروج أبو الحسن : قوله ، وخرث وغيره هو بثاء مثلثة المتاع المختلط الشيخ يعني نفسه أثاث الخباء ، وآلة السفر وماعونه قال أبو إسحاق : فإن بيع منهم ذلك بيع عليهم على قياس قول ابن القاسم في المسلم ، والمصحف [ ص: 254 ] ا هـ . وأما فقال بيع الطعام ابن يونس عن ابن حبيب يجوز في الهدنة ، وأما في غير الهدنة فلا قاله ابن الماجشون ، وكذا يحرم وكذا لمن يجعل فيها الخمر وقاله في المدونة ، وكذا بيع الخشبة لمن يعملها صليبا ، وذكر بيع الدار ، وكراؤها لمن يتخذها كنيسة أو بيت نار القرطبي والأبي في أوائل شرح في منع مسلم قولين قال بيع العنب لمن يعصرها خمرا الأبي : والمذهب في هذا سد الذرائع كما يحرم بيع السلاح لمن يعلم أنه يريد قطع الطريق على المسلمين أو إثارة الفتنة بينهم قاله في أول سماع ابن القاسم من كتاب المحاربين والمرتدين ، وفي رسم البيوع الأول من سماع أشهب من كتاب التجارة إلى أرض الحرب ، وفي مسائل المديان ، والتفليس من البرزلي عن بعض الفقهاء أنه سئل عن فأجاب لا يجوز ذلك على مذهب بيع المملوكة من قوم عاصين يتسامحون في الفساد وعدم الغيرة ، وهم آكلون للحرام ويطعمونها منه ا هـ . مالك
ب وكذلك يشترط في جواز البيع إلا أن يعلم أن المشتري قصد بالشراء أمرا لا يجوز ، والله أعلم .
( تنبيهات الأول ) : ألحقوا الصغير الكافر بالمسلم في عدم جواز بيعه لكافر ، وجبره على بيعه إن اشتراه ، وسيأتي الكلام عليه . ( الثاني ) : قال ابن عرفة : والإسلام الحكمي كالوجودي ففي المدونة إن بيع الثلاثة لمنع بيع الصغير دون أمه يعني ، ولا بد من بيع الصغير ; لأنه قد حكم بإسلامه لإسلام أبيه أسلم العبد ، وله ولد من زوجته النصرانية المملوكة لسيده
ص ( وأجبر على إخراجه بعتق أو هبة )
ش : يعني إذا قلنا أن شراء الكافر للمسلم ممنوع ابتداء ، ولكنه يصح إذا وقع فإنا نجبره على إزالة ملكه عنه بأي وجه كان ، ولو بالعتق ولذا لو قال المؤلف : ولو بعتق لكان أحسن .
وقال ابن غازي : عليه الإخراج بالعتق ، والهبة لأن الإخراج بالبيع ، وهبة الثواب والصدقة أحرى منهما ، وهذا يقتضي أنه في نسخته بصيغة المبالغة ولم أقف عليه إلا بإسقاطها وشمل قوله بعتق جميع أنواعه من تنجيز ، وتدبير ، وتأجيل ، وإيلاد ، وتبعيض فأما التنجيز فواضح ، وأما التدبير فإنه ينفذ ، ويؤاجر على سيده الكافر سواء اشتراه مسلما ثم دبره أو أسلم عنده ثم دبره أو دبره ثم أسلم على المشهور كما سيذكره المصنف في باب التدبير والمعتق إلى أجل حكمه حكم المدبر بل هو أولى ، وفي كلام ابن يونس في التدبير إشارة إليه ، وأما الإيلاد فالذي رجع إليه في أم ، ولد الذمي تسلم هي أو ، ولدها بعد إسلامها أنه ينجز عتقها إلا أن يسلم قبل عتقها فتبقى له أم ، ولد قاله في كتاب المكاتب من المدونة ، والفرق بين المدبر ، وأم الولد أنه لم يبق له فيها إلا الاستمتاع ، وقد حرمت عليه ، وأما المدبر ، فله خدمته ولذلك أوجر عليه . مالك
وأما التبعيض ، فحكمه حكم من أعتق بعض عبده على التفصيل الآتي في العتق ، والله أعلم .
( تنبيهات الأول ) : كلام المصنف في شراء الكافر المسلم ، وكذلك الحكم لو وهب له أو تصدق به عليه فكما لا يجوز بيع المسلم من الكافر ، فكذلك لا تجوز هبته له ، ولا صدقته عليه ، وإن وقع مضى ، وأجبر على إخراجه ، وسواء كان المتصدق ، والواهب مسلما أو كافرا قال في كتاب التجارة إلى أرض الحرب من المدونة : وإن جاز ذلك وبيع عليه ، والثمن له قال وهب مسلم عبدا مسلما لنصراني أو تصدق به عليه ابن يونس : قوله ، وإن وهب مسلم يريد أو نصراني .
وقوله جاز قال أبو الحسن : يريد مضى ، ولم يرد أنه يجوز أن يملكه ابتداء ومثل ذلك إذا أسلم عبد الكافر ، فإنه يجبر على بيعه ، ولو [ ص: 255 ] كان العبد صغيرا قال في المدونة : إن عقل الإسلام ا هـ .
( الثاني ) : ظاهر كلام المصنف أن الكافر يتولى بيع العبد ، وهو ظاهر لفظ المدونة قال أبو الحسن : وليس كذلك ; لأن فيه إهانة المسلم بل يبيعه الإمام ببينة ما يأتي في قوله بيع عليه ، ثم قال في شرح قوله في المدونة : ولو وهب الكافر العبد المسلم الذي اشتراه لمسلم للثواب فلم يثبه فله أخذه ، ويباع عليه أقام بعض الشيوخ من هذه المسألة أن أن بيعه جائز . النصراني إذا اشترى مسلما ثم باعه من مسلم قبل أن يعرض له
ولا ينتقض ; لأنه فعل ما كان يفعله الإمام ، وقال : ينقض بيعه ; لأن تولية البيع فيه إهانة للمسلم فيفسخ حتى يتولاه الإمام ا هـ . ابن شعبان
( الثالث ) : قال ابن عرفة : قال لو المازري فسخ باقي مدة الإجارة ، وهذه الرواية على فسخ شراء الكافر المسلم ، وعلى بيعه عليه يؤاجر من مسلم بقية المدة أسلم عبد الكافر المؤجر من نصراني ابن عرفة يفرق ببقاء ملك الكافر في إجارته عليه ، ولذا يفتقر لبيعه بعدها ا . هـ . قلت : ولو كان مؤاجرا من مسلم فعلى ما قال لا تفسخ الإجارة ، وعلى ما قاله المازري ابن عرفة تفسخ الإجارة ، وهو الظاهر ، ونقل ابن عرفة قبل كلامه هذا عن أنها لا تنفسخ ، وعن المازري التونسي أنه جعله محل نظر ولا يلزم مثل ذلك في التدبير والعتق المؤجل لما تعلق به هناك من الحرية .
( الرابع ) : قال في المسائل الملقوطة الأول الكافر يجبر على بيع عبده المسلم ، الثاني على بيع المصحف ، الثالث مالك الماء يجبر على بيعه لمن به عطش فإن تعذر الثمن أجبر من غير ثمن . : يجبر الرجل على بيع ماله في عشرة مواضع
الرابع من انهارت بئره وخاف على زرعه الهلاك يجبر جاره على سقيه بالثمن ، وقيل بغير ثمن ، الخامس المحتكر يجبر على بيع طعامه ، السادس جار الطريق إذا أفسدها السيل يؤخذ مكانها بالقيمة ، السابع إذا ضاق المسجد يجبر جاره على بيع ما يوسع به ، الثامن صاحب الفدان في رأس الجبل إذا احتاج الناس إلى أن يتحصنوا فيه ، التاسع صاحب الفرس أو الجارية يطلبها السلطان فإن لم يدفعها إليه جار على الناس ، وأضر بهم فإنه يجبر على دفعها لارتكاب أخف الضررين ، العاشر إذا أسر رجل بيد العدو ، وامتنع الذي هو عنده من قبول الفداء إلا أن يدفع إليه عبد رجل معين فأبى صاحبه من بيعه إلا بأضعاف ثمنه فإنه يؤخذ منه بالأكثر من قيمته من فتاوى ابن رشد ا هـ .
وذكر القرافي في كتاب الوقف سبعا فترك الأول ، والثاني والعاشر لشهرة ذلك ، والله أعلم .
ص ( ولولدها الصغير على الأرجح )
ش : الخلاف المذكور وترجيح ابن يونس إنما هو في مسألة النصرانية يسلم ، وذكره المصنف في اشتراء الكافر المسلم ، فكأنه رأى أن لا فرق بينهما ، وهو كذلك قال البساطي : وأنث الضمير في قوله لولدها ; لأنه لا يتصور أولاد صغار مسلمون ، وأبوهم كافر على المذهب قلت : قد يمكن ذلك فيما إذا أسلم الولد ، وهو صغير .
وقد عقل الإسلام فإنه يحكم بإسلامه ، وولدها الكبير مثل الصغير .