ص . ( وأكل كثوم ) ش : هذا بعد الوقوع وهل يجوز للشخص أكلها يوم الجمعة ؟
الذي يفهم من كلام الأبي في شرح أنه إذا علم أنها لا تزول من فيه بعد زوال الشمس أنه لا يجوز أكلها ونصه في شرح قوله صلى الله عليه وسلم من أكل من هذه الشجرة . الحديث أجاز الجمهور أكل هذه الخضر ; لأنه أباحه لأصحابه وعلل تخصيصه بذلك ; لأنه يناجي من لا يناجى ، وحرمه أهل الظاهر لمنعه حضور الجماعة على أصلهم في أن حضور الجماعة فرض عين . مسلم
( قلت ) وكان الشيخ ابن عرفة يقول لا يبعد عندي كراهة أكلها لقوله صلى الله عليه وسلم ولكني أكره ريحها وحكي عن الشيخ أبي الحسن المنتصر أنه ما أدخل داره ثوما ولا بصلا وما ذاك إلا ; لأنه رأى أن إدخالها ذريعة لأكلها ، وكذلك أكلها ذريعة لعدم دخول المسجد قال المازري وألحق أهل المذهب بذلك أهل الصنائع المنتنة كالحواتين والجزارين .
عياض وكذلك الفجل لمن يتجشؤه ، وألحق ابن المرابط بذلك داء البخر والجرح المنتن .
( قلت ) وألحق الشيخ بذلك الصنان والبرص الذي يتأذى بريحه وأفتى ابن رشد بمنع ذي البرص أن يبيع ما عمل بيده ممن يبيعها على أنه هو الذي عملها ; لأن ذلك من الغش المنهي عنه انتهى .
وصرح بذلك في التمهيد فقال في شرح الحديث التاسع لابن شهاب وهو قوله [ ص: 184 ] صلى الله عليه وسلم { من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا يؤذينا بريح الثوم } فيه من الفقه أن وإلا لما كان يباح ما يحبس عن الفرض وقد أباحت السنة حضور الجماعة ليس بفرض وقد بينا أن أكله مباح فدل ذلك على ما وصفنا ; ألا ترى أن لآكل الثوم التخلف عن شهود الجماعة وصلاة وكل ما يشغل به المرء عنها وكذلك من كان من أهل المصر حاضرا لا يحل له أن يدخل على نفسه ما يحبسه عنها . الجمعة إذا نودي لها حرم على المسلمين من أهل الحضر كل ما يحبس من بيع وقعود ورقاد
فلو كانت الجماعة فرضا ; كان أكل الثوم في وقت الصلاة حراما وقد ثبتت إباحته فدل ذلك على أن حضور الجماعة ليس بفرض ، ثم قال : وإذا كانت العلة في إخراج آكل الثوم من المسجد أنه يتأذى به ففي القياس أن وشبه أذى ، وكل ما يتأذى به الناس إذا وجد في أحد جيران المسجد وأرادوا إخراجه عن المسجد وإبعاده عنهم كان ذلك لهم ما كانت العلة موجودة فيه حتى تزول فإذا زالت بالعافية أو بتوبة أو بأي وجه زالت كان له مراجعة المسجد وقد شاهدت شيخنا كل من يتأذى به جيرانه في المسجد بأن يكون ذرب اللسان سفيها مستطيلا أو كان ذا رائحة لا تؤلمه لسوء صناعته أو عاهة مؤذية كالجذام أبا عمر أحمد بن عبد الملك بن هشام رحمه الله أفتى في رجل تشكاه جيرانه وأثبتوا عليه أنه يؤذيهم في المسجد بلسانه ويده فأفتى بإخراجه عن المسجد وإبعاده عنهم وأن لا يشهد معهم الصلاة انتهى .
وذكر أنه استدل بحديث الثوم وقال : إنه أشد منه فليراجعه من أراده والله أعلم .
( تنبيهان الأول ) تقدم عند قول المصنف وسن غسل متصل .
عن اللخمي أنه قال لقوله صلى الله عليه وسلم { وعلى من أكل ثوما أو بصلا أو كراثا نيا أن يستعمل ما يزيل ذلك عنه } فأسقط حقه من المسجد فإذا كان من حق المصلين والملائكة والمسجد أن يخرج عنهم وكان حضور الجماعة واجبا وجب أن يزيل ما عليه من تلك الروائح انتهى من تبصرته انتهى . من أكل من هذه الشجرة فلا يقربن مسجدنا
( الثاني ) قال المازري بعد أن ذكر الخلاف في حضور الأجذم : وهذا على أنهم لا يجدون موضعا يتميزون فيه مما تجزئ فيه صلاة الجمعة ، وأما لو وجدوا ; لوجبت الجمعة عليهم ومنعت المخالطة ; لأنه يمكننا حينئذ إقامة الحقين جميعا حق الله تعالى وحق الناس ولا شك أن الجامع إذا ضاق بأهله وأتوا الصلاة متميزين عن الناس في الأفنية بموضع لا يلحق الناس ضررهم أن وكان المكان مما تجزي فيه الجمعة وفي مختصر الجمعة واجبة عليهم إذا صلوا بمكان لا يلحق ضررهم الناس قال ابن شعبان : من أكل ثوما لم يدخل المسجد ولا رحابه يشهد الجمعة . فأنت تراه كيف أشار إلى اجتناب الإضرار بالناس خاصة واجتناب هتك حرمة المسجد بالرائحة المنتنة دون أن يشير إلى سقوط الجمعة وهذا هو المعنى الذي قلناه على أنه يبقى النظر فيما قاله في مالك عند من رأى أن أكل الثوم إذا منع من دخول المسجد ورحابه هل تكون صلاته بالفناء مع اتساع الجامع لدخوله مجزئة لا تجزئ في الجمعة لكون هذا ممنوعا من الدخول إلى الجامع شرعا فأشبه من صلى بالفناء وقد ضاق المسجد عنه ، أو يكون عند هؤلاء في صلاته فساد لسعة الجامع إياه وإن كان قد طرده الشرع عنه وهذا مما ينظر فيه انتهى . الصلاة بالأفنية اختيارا مع سعة الجامع