( والأصح اشتراط لفظ ) يشعر بالإذن في الانتفاع أو بطلبه أو نحوه ككتابة وإشارة أخرس فاللفظ المشعر بذلك بل المصرح به ( كأعرتك أو أعرني ) وما يؤدي معناهما كأبحتك منفعته واركب وأركبني وخذه لتنتفع به لأن الانتفاع بمال الغير يتوقف على رضاه المتوقف على ذلك اللفظ أو نحوه ، ولو شاع أعرني في القرض كما في الحجاز كان صريحا فيه قاله في الأنوار وعليه فيفرق بينه وبين قولهم في الطلاق لا أثر للإشاعة في الصراحة بأنه يحتاط للأبضاع ما لا يحتاط لغيرها وظاهر كلامهم أن هذه الألفاظ كلها ونحوها صرائح وأنه لا لفظا وفيه وقفة ، ولو قيل إن نحو خذه أو ارتفق به كناية لم يبعد ولا يضر صلاحية خذه للكناية في غير ذلك ( ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر ) وإن تأخر أحدهما عن الآخر لظن الرضا حينئذ وسيأتي أن الوديعة كذلك خلافا لمن فرق وقد تحصل بلا لفظ ضمنا كأن فرش له ثوبا ليجلس عليه كما جرى عليه كناية للعارية المتولي واقتضى [ ص: 419 ] كلامهما اعتماده .
قيل والأوجه أنه إباحة فلا يضمن إلا بالتعدي ا هـ ويؤيد الأول ما يأتي فيمن أركب منقطعا دابته من غير سؤال وتخيل فرق بينهما بعيد وفي أنه لا يشترط في ضمان العارية كونها بيد المستعير وخرج بله جلوسه على مفروش للعموم فهو إباحة حتى عند المتولي وكان أذن له في حلب دابته واللبن للحالب فهي مدة الحلب عارية تحت يده وكأن سلمه البائع المبيع في ظرف فهو عارية وكان أكل الهدية من ظرفها المعتاد أكلها منه وقبل أكلها هو أمانة ، وكذا إن كانت عوضا كما في قوله ( ولو قال أعرتكه ) أي فرسي مثلا ( لتعلفه ) أو على أن تعلفه ( أو لتعيرني فرسك فهو إجارة ) لأن فيها عوضا ( فاسدة ) [ ص: 420 ] لجهل المدة والعوض مع التعليق في الثانية ( توجب أجرة المثل ) إذا مضى بعد قبضه زمن لمثله أجرة ولا يضمن لو تلفت كالمؤجرة .
وكلامهم هذا صريح في أن مؤنة المستعار ليست على المستعير وهو كذلك صحت العارية أو فسدت فإن أنفق لم يرجع إلا بإذن الحاكم أو إشهاد بنية الرجوع عند فقده وشذ القاضي في قوله إنها عليه فعليه لا تفسد بشرط كونه يعلفه أما لو عين المدة والعوض كأعرتك هذه شهرا من الآن بعشرة دراهم أو لتعيرني ثوبك هذا شهرا من الآن فقبل فهو إجارة صحيحة بناء على أن الاعتبار بمعاني العقود ورجح لأن له مقتضيين ذكر المدة والعوض وهما أقوى من مجرد ذكر لفظ العارية ، ولو أعاره ليضمنه بأكثر من قيمته فهل هو إجارة فاسدة لأن الأكثر يقع في مقابلة المنافع أو عارية فاسدة وجهان قيل وإلا قيس الثاني ولا يبرأ إلا بالرد للمالك أو وكيله دون نحو ولده وزوجته فيضمنانها وهو طريق نعم يبرأ كما في الروضة بردها لما أخذها منه إن علم به المالك ، ولو بخبر ثقة فتركها فيه ولو استعارها ليركبها فركبها مالكها معه لم يضمن إلا نصفها ، ولو قال أعطها لهذا ليجيء معي في شغلي أو أطلق والشغل للآمر فهو المستعير أو في شغله أو أطلق وهو صادق فالراكب إن وكله وليس طريقا كوكيل السوم وإن كذب فهو المستعير والقرار على الراكب .
( ومؤنة الرد ) للعارية ( على المستعير ) من المالك أو نحو مستأجر رد عليه للخبر الصحيح { } ولأنه قبضها لمنفعة نفسه أما إذا رد على المالك فالمؤنة عليه كما لو رد عليه معيره وظاهر كلامهم أنه لا فرق بين بعد دار معيره وعدمه ويوجه بأنه منزل منزلة معيره ومعيره لو كان في محله لم يلزمه مؤنة فكذا هو فتأمله ليندفع به ما على اليد ما أخذت حتى تؤديه للأذرعي هنا ويجب الرد فورا عند طلب معير أو موته أو عند الحجر عليه فيرده لوليه فإن أخر بعد علمه وتمكنه ضمن مع الأجرة ومؤنة الرد نعم لو استعار نحو مصحف أو مسلم فارتد مالكه امتنع رده عليه [ ص: 421 ] بل يتعين الحاكم .
( فإن تلفت ) العين المستعارة أو شيء من أجزائها ومنها ما أركب مالكها عليها منقطعا ولو تقربا لله تعالى ، وإن لم يسأله لأنها تحت يده ، ومن ثم لو ركب مالكها معه لم يضمن إلا النصف ومنها أيضا نحو إكاف الدابة دون ولدها نعم إن تبعها والمالك ساكت وجب رده فورا إلا ضمن كالأمانة الشرعية ودون نحو ثياب العبد على الأوجه لأنه لم يأخذه ليستعملها ( لا باستعمال ) مأذون فيه كأن خطت في بئر حالة السير قال الغزي ومن تبعه وقياسه أن عثورها حال الاستعمال كذلك وظاهره أنه لا فرق بين أن يعرف ذلك من طبعها وأن لا ويظهر تقييده بما إذا لم يكن العثور مما أذن المالك في حمله عليها على أن جمعا اعترضوه بأن التعثر يعتاد كثيرا أي فلا تقصير منه ومحله إن لم يتولد من شدة إزعاجها وإلا ضمن لتقصيره وكأن جنى العبد أو صالت الدابة فقتلا للدفع ولو من مالكهما نظير قتل المالك قنة المغصوب إذا صال عليه فقصد دفعه فقط ( ضمنها ) بدلا أو أرشا لكنه طريق فقط فيما لو جنى عليها في يده بقيمة يوم التلف في المتقوم ومثله في المثلي كما جرى عليه واعتمده ابن أبي عصرون السبكي وغيره وهو أوجه من جزم الأنوار بلزوم القيمة ، ولو في المثلي وإن اقتضاه كلام جمع واعتمده بعض الشراح ( وإن ) شرطا عدم ضمانها .
وبحث الإسنوي أن هذا الشرط لا يفسدها كشرط رد مكسر عن صحيح في الفرض وفيه نظر لإمكان الفرق ، ولو ( لم يفرط ) للخبر السابق بل عارية مضمونة ( والأصح أنه لا يضمن ما ينمحق ) من الثياب أو نحوها ( أو ينسحق باستعمال ) مأذون فيه لحدوثه بإذن المالك فهو كاقتل عبدي والثاني يضمن مطلقا لخبر على اليد السابق ( والثالث يضمن المنمحق ) دون المستحق أي البالي بعض أجزائه لأن مقتضى الإعارة الرد ولم يوجد في الأول وموت الدابة كالانمحاق وعرجها وتقرح ظهرها باستعمال مأذون فيه [ ص: 422 ] وكسر سيف أعاره ليقاتل به كالانسحاق ومر جواز إعارة المنذور ولكن يضمن كل من المعير والمستعير ما نقص منه بالاستعمال ، ولو استعار عبدا لتنظيف سطح مثلا فسقط من سلمه ومات ضمنه بخلاف ما إذا استأجره ولا يشترط في ضمان المستعير كون العين في يده بل ، وإن كانت بيد المالك كما صرح به الأصحاب وفي الروضة لو حمل متاع غيره على دابته بسؤال الغير كان مستعيرا لكل الدابة إن لم يكن عليها شيء وإلا فبقدر متاعه واستشكل ذلك بقولهما عن وغيره لو سخر رجلا ودابته فتلفت البهيمة في يد صاحبها لم يضمنها المسخر لأنها في يد صاحبها ويجاب بأن هذا من ضمان الغصب وهو لا بد فيه من الاستيلاء ولم يوجد وما نحن فيه من ضمان العارية وهي لا يشترط فيها ذلك لحصولها بدونه وهذا أولى من إشارة الشيخ أبي حامد القمولي إلى تضعيف أحد الموضعين .