فانتقمنا منهم أي: فأردنا الانتقام منهم، وأول بذلك ليتفرع عليه قوله سبحانه: فأغرقناهم وإلا فالإغراق عين الانتقام فلا يصح تفريعه عليه.
وجوز أن تكون الفاء تفسيرية، وقد أثبتها البعض كما في قوله تعالى: ونادى نوح ربه فقال رب إلخ. وحينئذ لا حاجة إلى التأويل في اليم أي: البحر. كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم، ويقع على ما كان ملحا زعافا وعلى النهر الكبير العذب الماء ولا يكسر ولا يجمع جمع السلامة، وقال والسدي هو البحر الذي لا يدرك قعره، وقيل: هو لجة البحر وهو عربي في المشهور، وقال الليث: إنه سرياني وأصله كما قيل: يما؛ فعرب إلى ما ترى. والقول بأنه اسم للبحر الذي غرق فيه ابن قتيبة: فرعون غريق في يم الضعف. بأنهم كذبوا بآياتنا تعليل للإغراق. يعني أن سبب الإغراق وما استوجبوا به ذلك العقاب هو التكذيب بالآيات العظام، وهو الذي اقتضى تعلق إرادة الله تعالى به تعلقا تنجيزيا، وهذا لا ينافي تفريع الإرادة على النكث؛ لأن التكذيب هو [ ص: 37 ] العلة الأخيرة والسبب القريب، ولا مانع من تعدد الأسباب وترتب بعضها على بعض، قاله ونور الحق ساطع منه، وقال الشهاب شيخ الإسلام: الفاء وإن دلت على ترتب الإغراق على ما قبله من النكث لكنه صرح بالتعليل إيذانا بأن مدار جميع ذلك تكذيب آيات الله تعالى وما عطف عليه ليكون مزجرة للسامعين عن تكذيب الآيات الظاهرة على يد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم. انتهى، وفيه مناقشة لا تخفى.
وكانوا عنها غافلين الضمير المجرور للآيات والغفلة مجاز عن عدم الذكر والمبالاة، أي: بسبب تكذيبهم بالآيات وعدم مبالاتهم بها وتفكرهم فيها بحيث صاروا كالغافلين عنها بالكلية وإلا فالمكذب بأمر لا يكون غافلا عنه للتنافي بين الأمرين، وفي ذلك إشارة إلى أن من شاهد مثلها لا ينبغي له أن يكذب بها مع علمه بها، وعن رضي الله تعالى عنهما أن الضمير للنقمة وأريد بها الغرق كما يدل عليه ما قبله، وعليه فيجوز أن تكون الجملة حالية بتقدير قد، ولا مجاز في الغفلة حينئذ، والأول أولى كما لا يخفى. ابن عباس