[ ص: 38 ] وأخرج عن ابن عساكر ضمرة بن ربيعة قال: سمعت أنه لم يبعث نبي إلا من الشام، فإن لم يكن منها أسري به إليها.
وأخرج أحمد عبد الله بن حوالة الأزدي أنه قال: يا رسول الله، خر لي بلدا أكون فيه. قال: «عليك بالشام؛ فإنه خيرة الله تعالى من أرضه، يجتبي إليه خيرته من عباده». عن
وأخرج عن ابن عساكر واثلة بن الأسقع قال: سمعت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم يقول: بالشام؛ فإنها صفوة بلاد الله تعالى يسكنها خيرته من عباده». «عليكم
وأخرج وصححه عن الحاكم رضي الله تعالى عنهما قال: «يأتي على الناس زمان لا يبقى فيه مؤمن إلا لحق عبد الله بن عمر بالشام».
وجاء من حديث أحمد والترمذي والطبراني وابن حبان أيضا وصححه عن والحاكم أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال: زيد بن ثابت للشام». فقيل له: ولم؟ قال: «إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها». «طوبى
والأحاديث في فضل الشام كثيرة، وقد جمعها غير واحد إلا أن في الكثير منها مقالا، وسبب الوضع كان قويا، وهو اسم لأحد الأقاليم العرفية، وفي القاموس أنها بلاد عن مشأمة القبلة، وسميت بذلك؛ لأن قوما من بني كنعان تشاءموا إليها، أي: تياسروا أو سمي بسام بن نوح فإنه بالشين بالسريانية، أو لأن أرضها شامات بيض وحمر وسود وعلى هذا لا تهمز.
وأخرج عن ابن أبي حاتم أبي الأغبش، وكان قد أدرك أصحاب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أنه سئل عما بورك من الشام أين مبلغ حده؟ فقال: أول حدوده عريش مصر، والحد الآخر طرف الثنية، والحد الآخر الفرات، والحد الآخر جعل فيه قبر هود النبي عليه السلام، وليس المراد بها ما هو متعارف الناس اليوم، أعني دمشق. نعم هي داخلة فيها، وقد تكلمنا على حدودها بأبسط من هذا في حواشينا على شرح مختصر السمرقندية لابن عصام، وقد ولع الناس في دمشق مدحا وذما فقال بعضهم:
تجنب دمشق ولا تأتها وإن شاقك الجامع الجامع فسوق الفسوق بها نافق
وفجر الفجور بها طالع
وقال آخر:
دمشق غدت جنة للورى زها وصفا العيش في ظلها
وفيها لدى النفس ما تشتهي ولا عيب فيها سوى أهلها
وقال آخر في الشام ولعله عنى متعارف الناس:
قيل لي ما يقول في الشام حبر شام من بارق الهنا ما شامه
قلت ماذا أقول في وصف أرض هي في وجنة المحاسن شامه
وأنا أقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي، ونعوذ بالله تعالى من والموصول صفة المشارق والمغارب، وقيل: صفة الأرض، وضعفه اتباع الهوى، بأن فيه العطف على الموصوف قبل الصفة وهو نظير قولك: قام أم هند وأبوها العاقلة، وجوز أن يكون المفعول الثاني لأورثنا أي: الأرض التي؛ فعلى هذا يكون نصب المشارق وما عطف عليه ب يستضعفون على معنى يستضعفون فيها، وأن يكون المشارق منصوبة ب يستضعفون والتي صفة كما في الوجه الأول، والمفعول الثاني لأورثنا محذوف؛ أي: الأرض أو الملك، ولا يخفى بعده، وأن المتبادر هو الأول. أبو البقاء
وتمت كلمت ربك الحسنى على بني إسرائيل أي: مضت عليهم واستمرت من قولهم: مضى على الأمر إذا استمر، والمراد من الكلمة وعده تعالى لهم بالنصر والتمكين على لسان نبيهم عليه السلام، وهو قوله السابق: عسى ربكم أن يهلك عدوكم إلخ، وذهب غير واحد إلى أنه الوعد الذي يؤذن به قوله سبحانه: ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين [ ص: 39 ] وقيل: المراد بها علمه تعالى الأزلي، والمعنى: مضى واستمر عليهم ما كان مقدرا من إهلاك عدوهم وتوريثهم الأرض، و (الحسنى) تأنيث الأحسن صفة للكلمة، ووصفت بذلك لما فيها من الوعد بما يحبون ويستحسنون، وعن أنه أريد بالكلمة عدته سبحانه وتعالى لهم بالجنة، ولا يخفى أنه يأباه السباق والسياق، والتفت من التكلم إلى الخطاب في قوله سبحانه: ( ربك ) على ما قال الحسن الطيبي لأن ما قبله من القصص كان غير معلوم له صلى الله تعالى عليه وسلم، وأما كونه جل شأنه منجزا لما وعد ومجريا لما قضى وقدر فهو معلوم له عليه الصلاة والسلام، وذكر في الكشف أنه أدمج في هذا الالتفات أنه ستتم كلمة ربك في شأنك أيضا. وقرأ في رواية. (كلمات) بالجمع لأنها مواعيد، والوصف بالحسنى لتأويله بالجماعة، وقد ذكروا أنه يجوز وصف كل جمع بمفرد مؤنث إلا أن الشائع في مثله التأنيث بالتاء، وقد يؤنث بالألف كما في قوله سبحانه: عاصم مآرب أخرى بما صبروا أي: بسبب وحسبك بهذا حاثا على الصبر ودالا على أن من قابل البلاء بالجزع وكله الله تعالى إليه، ومن قابله بالصبر ضمن الله تعالى له الفرج. صبرهم على الشدائد التي كابدوها من فرعون وقومه،
وأخرج وغيره عن ابن المنذر قال: لو أن الحسن ولكنهم يفزعون إلى السيف فيوكلون إليه، ثم تلا هذه الآية، وفي رواية أخرى عنه قال: ما أوتيت بنو إسرائيل ما أوتيت إلا بصبرهم، وما فزعت هذه الأمة إلى السيف قط فجاءت بخير، وأقول: قد شاهدنا الناس سنة الألف والمائتين والثماني والأربعين قد فزعوا إلى السيف فما أغناهم شيئا، ولا تم لهم مراد ولا حمد منهم أمر، بل وقعوا في حرة رحيلة، ووادي خدبات، وأم حبوكر، ورموا لعمر الله بثالثة الأثافي، وقص من جناح عزهم القدامى والخوافي، ولم يعلموا أن عيش المضر حلوه مر مقر، وأن الفرج إنما يصطاد بشباك الصبر. وما أحسن قول الناس إذا ابتلوا من قبل سلطانهم بشيء صبروا ودعوا الله تعالى لم يلبثوا أن يرفع الله تعالى ذلك عنهم، عجبت ممن خف كيف خف وقد سمع قوله سبحانه وتلا الآية، ويعلم منها أن التحزن لا ينافي الصبر؛ لأن الله سبحانه وصف بني إسرائيل به مع قولهم السابق الحسن: لموسى عليه السلام: أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا ، ودمرنا أي: خربنا وأهلكنا: فرعون وقومه ما كان يصنع في أرض مصر من العمارات والقصور. أي: دمرنا الذي كان هو يصنعه فرعون على أن (ما) موصولة، واسم كان ضمير راجع إليها وجملة يصنع فرعون من الفعل والفاعل خبر كان والجملة صلة الموصول، والعائد إليه محذوف، وجوز أن يكون فرعون اسم كان، ويصنع خبر مقدم، والجملة الكونية صلة ما، والعائد محذوف أيضا. وتعقبه بأن يصنع يصلح أن يعمل في أبو البقاء فرعون فلا يقدر تأخيره، كما لا يقدر تأخير الفعل في قولك: قام زيد. وفيه غفلة عن الفرق بين المثال وما نحن فيه وهو مثل الصبح ظاهر، وقيل: (ما) مصدرية وكان سيف خطيب، والتقدير ما يصنع فرعون إلخ، وقيل: كان كما ذكر وما موصولة اسمية والعائد محذوف والتقدير: ودمرنا الذي يصنعه فرعون إلخ. أي: صنعه، والعدول إلى صيغة المضارع على هذين القولين لاستحضار الصورة. وما كانوا يعرشون من الجنات أو ما كانوا يرضونه من البنيان كصرح هامان، وإلى الأول يشير كلام وإلى الثاني كلام الحسن مجاهد.
وقرأ ابن عامر هنا وفي النحل (يعرشون) بضم الراء، والباقون بالكسر، وهما لغتان فصيحتان، والكسر [ ص: 40 ] على ما ذكر وأبو بكر اليزيدي أفصح، وقرئ في الشواذ: (يغرسون) من غرس الأشجار، وفي الكشاف: أنها تصحيف وليس به. وأبو عبيدة