أنا ابن جلا وطلاع الثنايا متى أضع العمامة تعرفوني
على أحد التأويلات فيه وأصل المرود على ما ذكره علي بن عيسى الملاسة ومنه صرح ممرد والأمرد الذي لا شعر على وجهه والمرداء الرملة التي لا تنبت شيئا وقال ابن عرفة: أصله الظهور ومنه قولهم: شجرة مرداء إذا تساقط ورقها وأظهرت عيدانها وفي القاموس: مرد كنصر وكرم مرودا ومرودة ومرادة فهو مارد ومريد ومتمرد أقدم وعتا أو هو أن يبلغ الغاية التي يخرج بها من جملة ما عليه ذلك الصنف وفسروه بالاعتياد والتدرب في الأمر حتى يصير ماهرا فيه وهو قريب مما ذكره في القاموس من بلوغ الغاية ولا يكاد يستعمل إلا في الشروهو على الوجهين الأولين شامل للفريقين حسب شمول النفاق وعلى الوجه الأخير خاص بمنافقي أهل المدينة واستظهر ذلك وقيل: إنه الأنسب بذكر منافقي أهل البادية أولا ثم ذكر منافقي الأعراب المجاورين ثم ذكر منافقي أهل المدينة ويبقى على هذا أنه لم يبين مرتبة المجاورين في النفاق بخلافه على تقدير شموله للفريقين ثم لا يخفى أن التمرد على النفاق إذا اقتضى الأشدية فيه أشكل عليه تفسيرهم المفضل في قوله سبحانه: الأعراب أشد كفرا ونفاقا . بأهل الحضر ولعل المراد تفضيل المجموع على المجموع أو يلتزم عدم الاقتضاء
وقوله تعالى: لا تعلمهم بيان لتمردهم أي لا تعرفهم أنت بعنوان نفاقهم يعني أنهم بلغوا من المهارة في النفاق والتنوق في مراعاة التقية والتحامي عن مواقع التهم إلى حيث يخفى عليك مع كمال فطنتك وصدق فراستك حالهم وفي تعليق نفي العلم بهم مع أنه متعلق بحالهم مبالغة في ذلك وإيماء إلى أن ما هم عليه من صفة النفاق لعراقتهم ورسوخهم فيها صارت بمنزلة ذاتياتهم أو مشخصاتهم بحيث لا يعد من لا يعرفهم بتلك الصفة عالما بهم ولا حاجة في هذا المعنى إلى حمل العلم على المتعدي لمفعولين وتقدير المفعول الثاني أي لا تعلمهم منافقين وقيل: المراد لا تعرفهم بأعيانهم وإن عرفتهم إجمالا وما ذكرناه لما فيه من المبالغة ما فيه أولى وحاصله لا تعرف نفاقهم نحن نعلمهم أي نعرفهم بذلك العنوان وإسناد العلم بمعنى المعرفة إليه تعالى مما لا ينبغي أن يتوقف فيه وإن وهم فيه من وهم لا سيما إذا خرج ذلك مخرج المشاكلة وقد فسر العلم هنا بالمعرفة رضي الله تعالى عنهما كما أخرجه عنه ابن عباس أبو الشيخ
نعم لا يمتنع حمله على معناه المتبادر كما لا يمتنع حمله على ذلك فيما تقدم لكنه محوج إلى التقدير وعدم التقدير أولى من التقدير
والجملة تقرير لما سبق من مهارتهم في النفاق أي لا يقف على سرائرهم المركوزة فيهم إلا من لا تخفى عليه خافية [ ص: 11 ] لما هم عليه من شدة الاهتمام بإبطال الكفر وإظهار الإخلاص، وأمر تعليق العلم هنا كأمر تعليق نفيه فيما مر . واستدل بالآية على أنه لا ينبغي الإقدام على دعوى الأمور الخفية من أعمال القلب ونحوها، وقد أخرج عبد الرزاق وغيرهما عن وابن المنذر أنه قال: ما بال أقوام يتكلفون على الناس يقولون: فلان في الجنة وفلان في النار فإذا سألت أحدهم عن نفسه قال: لا أدري لعمري أنت بنفسك أعلم منك بأعمال الناس، ولقد تكلفت شيئا ما تكلفه نبي قال قتادة نوح عليه السلام: وما علمي بما كانوا يعملون وقال شعيب عليه السلام: وما أنا عليكم بحفيظ وقال الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم: لا تعلمهم نحن نعلمهم وهذه الآيات ونحوها أقوى دليل في الرد على من يزعم الكشف والاطلاع على المغيبات بمجرد صفاء القلب وتجرد النفس عن الشواغل وبعضهم يتساهلون في هذا الباب جدا سنعذبهم ولا بد لتحقيق المقتضى فيهم عادة مرتين أخرج ابن أبي حاتم في الأوسط وغيرهما عن والطبراني رضي الله تعالى عنهما قال: ابن عباس شهد تلك الجمعة لحاجة كانت له فلقيهم وهم يخرجون من المسجد فاختبأ منهم استحياء أنه لم يشهد الجمعة وظن أن الناس قد انصرفوا واختبأوا هم منه وظنوا أنه قد علم بأمرهم فدخل المسجد فإذا الناس لم ينصرفوا فقال له رجل: أبشر يا عمر بن الخطاب فقد فضح الله تعالى المنافقين اليوم فهذا العذاب الأول والعذاب الثاني عذاب القبر . عمر وفي رواية قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة خطيبا فقال: قم فلان فاخرج فإنك منافق اخرج يا فلان فإنك منافق فأخرجهم بأسمائهم ففضحهم ولم يك عن ابن مردويه ابن مسعود الأنصاري أنه صلى الله عليه وسلم أقام في ذلك اليوم وهو على المنبر ستة وثلاثين رجلا
وأخرج ابن المنذر عن وابن أبي حاتم أنه فسر العذاب مرتين بالجوع والقتل ولعل المراد به خوفه وتوقعه، وقيل: هو فرضي إذا أظهروا النفاق وفي رواية أخرى عنه أنهم عذبوا بالجوع مرتين، وعن مجاهد أن العذاب الأول أخذ الزكاة والثاني عذاب القبر وعن الحسن ابن إسحق أن الأول غيظهم من أهل الإسلام والثاني عذاب القبر، ولعل تكرير عذابهم لما فيهم من الكفر المشفوع بالنفاق أو النفاق المؤكد بالتمرد فيه
وجوز أن يراد بالمرتين التكثير كما في قوله تعالى: ثم ارجع البصر كرتين لقوله سبحانه: أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم يردون يوم القيامة الكبرى إلى عذاب عظيم 101 هو عذاب النار، وتغيير الأسلوب على ما قيل بإسناد عذابهم السابق إلى نون العظمة حسب إسناد ما قبله من العلم وإسناد ردهم إلى العذاب اللاحق إلى أنفسهم إيذان باختلافهما حالا وأن الأول خاص بهم وقوعا وزمانا يتولاه الله سبحانه وتعالى والثاني شامل لعامة الكفرة وقوعا وزمانا وإن اختلفت طبقات عذابهم، ولا يخفى أنه إذا فسر العذاب العظيم بعذاب الدرك الأسفل من النار لم يكن شاملا لعامة الكفرة نعم هو شامل لعامة المنافقين فقط، وقد يقال: إن في بناء يردون لما لم يسم فاعله من التعظيم ما فيه فيناسب العذاب العظيم فلذا غير السبك إليه والله تعالى أعلم