يخافون ربهم وممن صرح بعود الضمير فيه على ما أبو سليمان الدمشقي، وقال : إنه الظاهر، وذهب أبو حيان ابن السائب إلى ما قلنا أي يخافون مالك أمرهم ومقاتل من فوقهم إما متعلق- بـ يخافون- وخوف ربهم كناية عن خوف عذابه أو الكلام على تقدير مضاف هو العذاب على ما هو الظاهر أو متعلق بمحذوف وقع حالا من ( ربهم ) أي كائنا من فوقهم، ومعنى كونه سبحانه فوقهم قهره وغلبته لأن الفوقية المكانية مستحيلة بالنسبة إليه تعالى، ومذهب السلف قد أسلفناه لك وأظنه على ذكر منك. والجملة حال من الضمير في لا ( يستكبرون ) وجوز أن تكون بيانا لنفي الاستكبار وتقريرا له لأن من خاف الله تعالى لم يستكبر عن عبادته، واختاره ابن المنير وقال: إنه الوجه ليس إلا لئلا يتقيد الاستكبار وليدل على ثبوت هذه الصفة أيضا على الإطلاق، ولا بد أن يقال على تقدير الحالية: إنها حال غير منتقلة وقد جاءت في الفصيح بل في أفصحه على الصحيح، وفي اختيار عنوان الربوبية تربية للمهابة وإشعار بعلة الحكم.
ويفعلون ما يؤمرون أي ما يؤمرون به من الطاعات والتدبيرات وإيراد الفعل مبنيا للمفعول جرى على سنن الجلالة وإيذان بعدم الحاجة إلى التصريح بالفاعل لاستحالة استناده إلى غيره سبحانه، واستدل بالآية على أن مدارون بين الخوف والرجاء، أما دلالتها على التكليف فلمكان الأمر، وأما على الخوف فهو أظهر من أن يخفى، وأما على الرجاء فلاستلزام الخوف على ما قيل، وقيل: إن اتصافهم بالرجاء لأن من خدم أكرم [ ص: 159 ] الأكرمين كان من الرجاء بمكان مكين، وزعم بعضهم أن خوفهم ليس إلا خوف إجلال ومهابة لا خوف وعيد وعذاب، ويرده قوله تعالى: الملائكة مكلفون وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم [الأنبياء: 28، 29] ولا ينافي ذلك عصمتهم، وقال الإمام: الأصح أن ذلك الخوف خوف الإجلال، وذكر أنه نقل عن واستدل له بقوله تعالى: ابن عباس إنما يخشى الله من عباده العلماء [فاطر: 28] وفي القلب منه شيء، والحق أن الآية لا تصلح دليلا لكون الملائكة أفضل من البشر. واستدل بها فرقة على ذلك من أربعة أوجه ذكرها الإمام ولم يتعقبها بشيء لأنه ممن يقول بهذه الأفضلية، وموضع تحقيق ذلك كتب الكلام.