لا مبدل لكلماته لا يقدر أحد على تبديلها وتغييرها غيره، وأما هو سبحانه فقدرته شاملة لكل شيء يمحو ما يشاء ويثبت، ويعلم مما ذكر اندفاع ما قيل: إن التبديل واقع لقوله تعالى: وإذا بدلنا آية ، والظاهر عموم الكلمات الأخبار وغيرها، ومن هنا قال الطبرسي: المعنى: لا مغير لما أخبر به تعالى ولا لما أمر، والكلام على حذف مضاف؛ أي: لا مبدل لحكم كلماته انتهى، لكن أنت تعلم أن الخبر لا يقبل التبديل أي النسخ فلا تتعلق به الإرادة حتى تتعلق به القدرة لئلا يلزم الكذب المستحيل عليه عز شأنه. ومنهم من خص الكلمات بالإخبار لأن المقام للإخبار عن قصة أصحاب الكهف وعليه لا يحتاج إلى تخصيص النكرة المنفية لما سمعت من حال الخبر، وقول الإمام: إن النسخ في الحقيقة ليس بتبديل؛ لأن المنسوخ ثابت في وقته إلى وقت طريان الناسخ، فالناسخ كالمغاير فكيف يكون تبديلا، توهم لا يقتدى به.
ومن الناس من خص الكلمات بمواعيده تعالى لعباده الموحدين فكأنه قيل: اتل ما أوحي إليك ولا تبال بالكفرة المعاندين، فإنه قد تضمن من وعد الموحدين ما تضمن ولا مبدل لذلك الوعد، ومآله: اتل ولا تبال؛ فإن الله تعالى ناصرك وناصر أصحابك وهو كما ترى، وإن كان أشد مناسبة لما بعد، والضمير على ما يظهر من مجمع البيان للكتاب، ويجوز أن يكون للرب تعالى كما هو الظاهر في الضمير في قوله سبحانه:
ولن تجد من دونه ملتحدا أي: ملجأ تعدل إليه عند إلمام ملمة، وقال الإمام في البيان والإرشاد: وأصله من الالتحاد بمعنى الميل، وجوز فيه أن يكون اسم مكان وأن يكون مصدرا، وفسره الراغب رضي الله تعالى عنهما هنا بالمدخل في الأرض، وأنشد عليه حين سأله نافع بن الأزرق قول ابن عباس خصيب الضمري:
يا لهف نفسي ولهف غير مجدية عني وما عن قضاء الله ملتحد
ولا داعي فيه لتفسيره بالمدخل في الأرض ليلتجأ إليه، ثم إذا كان المعنى بالخطاب سيد المخاطبين صلى الله عليه وسلم فالكلام مبني على الفرض، والتقدير إذ هو عليه الصلاة والسلام بل خلص أمته لا تحدثهم أنفسهم بطلب ملجأ غيره تعالى، نسأله سبحانه أن يجعلنا ممن التجأ إليه وعول في جميع أموره عليه فكفاه جل وعلا ما أهمه وكشف عنه غياهب كل غمه.