وقال صاحب الكشف : المبتدأ ليس أجنبيا من كل وجه لا سيما والمفصول ظرف والمقدم في نية التأخير، والبليغ يلتفت لفت المعنى بعد أن كان لما يرتكبه وجه مساغ في العربية وإن كان مرجوحا . ولعل سلوك هذا الأسلوب قريب من ترجيح الاستحسان لقوة أثره على القياس ، ولا خفاء أن زيادة الإنكار إنما نشأ من تقديم الخبر كأنه قيل: أراغب أنت عنها لا طالب لها راغب فيها منبها له على الخطأ في صدوفه ذلك ولو قيل : أترغب لم يكن [ ص: 99 ] من هذا الباب في شيء. انتهى .
ورجح إعراب أبو حيان ومن معه بعدم لزوم الفصل فيه وبسلامة الكلام عليه عن خلاف الأصل في التقديم والتأخير ، وتوقف أبي البقاء البدر الدماميني في جواز ابتدائية المؤخر في مثل هذا التركيب وإن خلا عن فصل أو محذور آخر كما في أطالع الشمس وذلك نحو أقائم زيد للزوم التباس المبتدأ بالفاعل كما في ضرب زيد فإنه لا يجوز فيه ابتدائية زيد . وأجاب الشمني بأن زيدا في الأول يحتمل أمرين كل منهما بخلاف الأصل، وذلك إجمال لا لبس بخلافه في الثاني فتأمل . لئن لم تنته لأرجمنك تهديد وتحذير عما كان عليه من العظة والتذكير أي والله لئن لم تنته عما أنت عليه من النهي عن عبادتها والدعوة إلى ما دعوتني إليه لأرجمنك بالحجارة على ما روي عن ، وقيل : باللسان والمراد لأشتمنك وروي ذلك عن الحسن وعن ابن عباس السدي والضحاك ، وقدر بعضهم متعلق النهي الرغبة عن الآلهة أي لئن لم تنته عن الرغبة عن آلهتي لأرجمنك وليس بذاك (واهجرني) عطف على محذوف يدل عليه التهديد أي فاحذرني واتركني وإلى ذلك ذهب وابن جريج . الزمخشري
ولعل الداعي لذلك وعدم اعتبار العطف على المذكور أنه لا يصح أو لا يحسن التخالف بين المتعاطفين إنشائية وإخبارية ، وجواب القسم غير الاستعطافي لا يكون إنشاء وليست الفاء في فاحذرني عاطفة حتى يعود المحذور . ومن الناس من عطف على الجملة السابقة بناء على تجويز سيبويه العطف مع التخالف في الإخبار والإنشاء، والتقدير أوقع في النفس (مليا) أي دهرا طويلا عن الحسن وجماعة ، وقال ومجاهد : أبدا وكأنه المراد ، وأصله على ما قيل من الإملاء أي الإمداد وكذا الملاوة بتثليث الميم وهي بمعناه، ومن ذلك الملوان الليل والنهار ونصبه على الظرفية كما في قول السدي مهلهل :
فتصدعت صم الجبال لموته وبكت عليه المرملات مليا
وأخرج عن ابن الأنباري أنه فسره بطويلا ولم يذكر الموصوف فقيل هو نصب على المصدرية أي هجرا مليا ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس أن المعنى سالما سويا والمراد قادرا على الهجر مطيقا له ، وهو حينئذ حال من فاعل (اهجرني) أي اهجرني مليا بالهجران والذهاب عني قبل أن أثخنك بالضرب حتى لا تقدر أن تبرح ، وكأنه على هذا من تملى بكذا تمتع به ملاوة من الدهر. ابن عباس