قال يا أيها الملأ أيكم يأتيني بعرشها قبل أن يأتوني مسلمين في الكلام حذف، أي: فرجع الرسول إليها وأخبرها بما أقسم عليه سليمان، فتجهزت للمسير إليه؛ إذ علمت أنه نبي ولا طاقة لها بقتاله، فروي أنها أمرت عند خروجها فجعل عرشها في آخر سبعة أبيات بعضها في جوف بعض في آخر قصر من قصورها، وغلقت الأبواب، ووكلت به حراسا يحفظونه، وتوجهت إلى سليمان في أقيالها وأتباعهم، وأرسلت إلى سليمان : إني قادمة عليك بملوك قومي؛ حتى أنظر ما أمرك، وما تدعو إليه من دينك، قال عبد الله بن شداد : فلما كانت على فرسخ من سليمان قال: (أيكم يأتيني بعرشها).
وعن : كان ابن عباس سليمان مهيبا لا يبتدأ بشيء حتى يكون هو الذي يسأل عنه، فنظر ذات يوم رهجا قريبا منه، فقال: ما هذا؟ فقالوا: بلقيس فقال: (أيكم ...) إلخ، ومعنى مسلمين - على ما روي عنه - طائعين، وقال بعضهم: هو بمعنى مؤمنين.
واختلفوا في مقصوده - عليه السلام - من استدعائه عرشها، فعن ، ابن عباس أنه - عليه السلام - استدعى ذلك؛ ليريها القدرة التي هي من عند الله تعالى وليغرب عليها، ومن هنا قال في الكشاف: لعله [ ص: 202 ] أوحي إليه - عليه السلام - باستيثاقها من عرشها، فأراد أن يغرب عليها ويريها بذلك بعض ما خصه الله تعالى من إجراء العجائب على يده، مع اطلاعها على عظيم قدرة الله تعالى، وعلى ما يشهد لنبوة وابن زيد سليمان - عليه السلام – ويصدقها، انتهى.
وتقييد الإتيان بقوله: (قبل) إلخ؛ لما أن ذلك أبدع وأغرب وأبعد من الوقوع عادة، وأدل على عظيم قدرة الله - عز وجل - وصحة نبوته - عليه السلام - وليكون اطلاعها على بدائع المعجزات في أول مجيئها.
وقال : أراد - عليه السلام - أن يختبر صدق الهدهد في قوله: الطبري ولها عرش عظيم واستبعد ذلك لعدم احتياجه - عليه السلام - إلى هذا الاختبار؛ فإن أمارة الصدق في ذلك في غاية الوضوح لديه - عليه السلام - لا سيما إذا صح ما روي عن وغيره. وقيل: أراد أن يؤتى به فينكر ويغير ثم ينظر أتثبته أم تنكره؛ اختبارا لعقلها. وهب
وقال قتادة : إنه - عليه السلام - أراد أخذه قبل أن يعصمها وقومها الإيمان ويمنع أخذ أموالهم، قال في الكشف: فيه أن حل الغنائم مما اختص به نبينا - صلى الله عليه وسلم - وقال في التحقيق: لا يناسب رد الهدية وتعليله بقوله: وابن جريج فما آتاني الله خير مما آتاكم .
وأجيب بأن هذا ليس من باب أخذ الغنائم، وإنما هو من باب أخذ مال الحربي، والتصرف بغير رضاه، مع أن الظاهر أنه بوحي، فيجوز أنه من خصوصياته لحكمة، ولم يكن ذلك هدية لها حتى لا يناسب الرد السابق وفيه بحث، ولعل الألصق بالقلب أن ذاك لينكره فيمتحنها؛ اختبارا لعقلها، مع إراءتها بعض خوارقه الدالة على صحة نبوته، وعظيم قدرة الله عز وجل، ثم الظاهر أن هذا القول بعد رد الهدية، وهو الذي عليه الجمهور.
وفي رواية عن أنه - عليه السلام - قال ذلك حين ابتدأ النظر في صدق الهدهد من كذبه لما قال: ابن عباس ولها عرش عظيم ففي ترتيب القصص تقديم وتأخير، وأظن أنه لا يصح هذا عن . ابن عباس