وقرأ «وآثاروا» بمدة بعد الهمزة، وقال ابن أبو جعفر : ليس بشيء وخرج ذلك مجاهد أبو الفتح على الإشباع كقوله:
ومن ذم الزمان بمنتزاح
، وذكر أن هذا من ضرورة الشعر، ولا يجيء في القرآن، وقرأ أبو حيوة: (وأثروا) من الأثرة، وهو الاستبداد بالشيء، وآثروا الأرض أي أبقوا فيها آثارا وعمروها أي وعمرها أولئك الذين كانوا قبلهم بفنون العمارات من الزراعة والغرس والبناء وغيرها، وقيل: أي أقاموا بها، يقال: عمرت بمكان كذا، وعمرته أي أقمت به أكثر مما عمروها أي عمارة أكثر من عمارة هؤلاء إياها، والظاهر أن الأكثرية اعتبارا لكم، وعممه بعضهم فقال: أكثر كما وكيفا وزمانا، وإذا أريد العمارة بمعنى الإقامة، فالمعنى أقاموا بها إقامة أكثر زمانا من إقامة هؤلاء بها، وفي ذكر أفعل تهكم بهم، إذ لا مناسبة بين كفار مكة ، وأولئك الأمم المهلكة، فإنهم كانوا معروفين بالنهاية في القوة، وكثرة العمارة، وأهل مكة ضعفاء ملجؤون إلى واد غير ذي زرع، يخافون أن يتخطفهم الناس، ونحو هذا يقال إذا سرت العمارة بالإقامة، فإن أولئك كانوا مشهورين بطول الأعمار جدا، وأعمار أهل مكة قليلة بحيث لا مناسبة يعتد بها بينها وبين أعمال أولئك المهلكين.وجاءتهم رسلهم بالبينات [ ص: 24 ] بالمعجزات، أو الآيات الواضحات فما كان الله ليظلمهم أي فكذبوهم فأهلكهم فما كان الله تعالى شأنه ليهلكهم من غير جرم يستدعيه من قبلهم، وفي التعبير عن ذلك بالظلم إظهار لكمال نزاهته تعالى عنه، وإلا فقد قال أهل السنة: إن إهلاكه تعالى من غير جرم ليس من الظلم في شيء لأنه عز وجل مالك، والمالك يفعل بملكه ما يشاء، والنزاع في المسألة شهير ولكن كانوا أنفسهم يظلمون حيث ارتكبوا باختيارهم من المعاصي ما أوجب بمقتضى الحكمة ذلك، وتقديم ( أنفسهم ) على ( يظلمون ) للفاصلة، وجوز أن يكون للحصر بالنسبة إلى الرسل الذين يدعونهم .