وقوله تعالى: إنما يؤمن بآياتنا استئناف مسوق لتقرير عدم استحقاقهم لإيتاء الهدى والإشعار بعدم إيمانهم لو أوتوه بتعيين من يستحقه بطريق القصر، كأنه قيل: إنكم لا تؤمنون بآياتنا الدالة على شؤوننا، ولا تعملون بموجبها عملا صالحا، ولو أرجعناكم إلى الدنيا، وإنما يؤمن الذين إذا ذكروا بها أي وعظوا خروا سجدا أثر ذي أثير من غير تردد ولا تلعثم فضلا عن التسويف إلى معاينة ما نطقت به من الوعد والوعيد، أي سقطوا ساجدين تواضعا لله تعالى، وخشوعا وخوفا من عذابه عز وجل، قال : هذه السجدة من عزائم أبو حيان وقال سجود القرآن، السجود هنا الركوع. ابن عباس:
وروي عن ابن جريج، أن الآية نزلت بسبب قوم من المنافقين كانوا ومجاهد فكان الركوع يقصد من هذا، ويلزم على هذا أن تكون الآية مدنية، ومن مذهب إذا أقيمت الصلاة خرجوا من المسجد، أن ابن عباس يركع واستدل بقوله تعالى القارئ لآية السجدة وخر راكعا وأناب [ص: 24] اهـ.
ولا يخفى ما في الاستدلال من المقال، وسبحوا بحمد ربهم أي ونزهوه تعالى عند ذلك عن كل ما لا يليق به سبحانه من الأمور التي من جملتها العجز عن البعث ملتبسين بحمده تعالى على نعمائه جل وعلا التي من أجلها الهداية بإيتاء الآيات والتوفيق إلى الاهتداء بها، فالحمد في مقابلة النعمة، والباء للملابسة، والجار والمجرور في موضع الحال، والتعرض لعنوان الربوبية بطريق الالتفات مع الإضافة إلى ضميرهم للإشعار بعلة التسبيح والتحميد بأنهم يفعلونهما بملاحظة ربوبيته تعالى لهم، وهم لا يستكبرون عن الإيمان والطاعة كما يفعل من يصر مستكبرا، كأن لم يسمع الآيات، والجملة عطف على الصلة، أو حال من أحد ضميري ( خروا وسبحوا ) وجوز عطفها على أحد الفعلين.