وقرأ كرم الله تعالى وجهه علي وابن عباس وعبد الله ومجاهد والضحاك وجعفر بن محمد والأعمش "سلما"، وخرجت على ما سمعت، ويجوز أن يكون المعنى فوضا إليه تعالى في قضائه وقدره، وقرئ "استسلما" وأصل الأفعال الثلاثة سلم هذا لفلان، إذا خلص له فإنه سلم من أن ينازع فيه والثوري وتله للجبين صرعه على شقه فوقع جبينه على الأرض، وأصل التل الرمي على التل وهو التراب المجتمع ثم عمم في كل صرع، والجبين أحد جانبي الجبهة وشذ جمعه على أجبن، وقياسه في القلة أجبنة ككثيب وأكثبة، وفي الكثرة جبنان وجبن ككثبان وكثب، واللام لبيان ما خر عليه كما في قوله تعالى يخرون للأذقان وقوله:
وخر صريعا لليدين وللفم
وليست للتعدية، وقيل المراد كبه على وجهه وكان ذلك بإشارة منه. أخرج غير واحد عن أنه قال لأبيه: لا تذبحني وأنت تنظر إلى وجهي عسى أن ترحمني فلا تجهز علي، اربط يدي إلى رقبتي ثم ضع وجهي للأرض، ففعل فكان ما كان، ولا يخفى أن إرادة ذلك من الآية بعيد، نعم لا يبعد أن يكون الذبيح قال هذا. مجاهدوفي الآثار حكاية أقوال غير ذلك أيضا، منها ما في خبر للسدي أنه قال لأبيه عليهما السلام: يا أبت اشدد رباطي حتى لا اضطرب، واكفف عن ثيابك حتى لا ينتضح عليها من دمي شيء فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقي فيكون أهون للموت علي، فإذا أتيت أمي فاقرأ عليها السلام مني فأقبل عليه إبراهيم يقبله، وكل منهما يبكي، ومنها ما في حديث أخرجه وجماعة عن أحمد أنه قال لأبيه وكان عليه قميص أبيض يا أبت ليس لي ثوب تكفنني فيه غيره فاخلعه حتى تكفنني فيه فعالجه ليخلعه فكان ما قص الله عز وجل. وكان ذلك عند الصخرة التي ابن عباس بمنى، وعن في الموضع المشرف على مسجد الحسن منى، وعن في المنحر الذي ينحر فيه اليوم، وقيل كان الضحاك ببيت المقدس وحكي ذلك عن كعب، وحكى الإمام مع هذا القول أنه كان بالشام.