مكلل بأصول النجم تنسـجـه ريح خريق لضاحي مائه حبك
وحبك الشعر لآثار تثنيه وتكسره ، وتفسيرها بذلك مروى عن مقاتل والكلبي ، والمراد بها إما الطرق المحسوسة التي تسير فيها الكواكب ، أو المعقولة التي تدرك بالبصيرة وهي ما تدل على وحدة الصانع وقدرته وعلمه وحكمته جل شأنه إذا تأملها الناظر ، وقال والضحاك ابن عباس وقتادة وعكرمة ومجاهد والربيع : ذات الخلق المستوي الجيد ، وفي رواية أخرى عن المتقنة البنيان ، وقيل : ذات الصفاقة وهي أقوال متقاربة وكأن الحبك عليها من قولهم : مجاهد
حبكت الشيء أحكمته وأحسنت عمله وحبكت العقدة أوثقتها ، وفرس محبوك المعاقم - وهي المفاصل - أي محكمها ، وفي الكشف أصل الحباكة الصفاقة وجودة الأثر ، وعن - حبكها - نجومها ، والظاهر أن إطلاق الحبك على النجوم مجاز لأنها تزين السماء كما يزين الثوب الموشى حبكه وطرائق وشيه فكأنه قيل : ذات النجوم التي هي كالحبك أي الطرائق في التزيين ، واستظهر في السماء أنه جنس أريد به جميع السماوات وكون كل واحدة منها ذات حبك بمعنى مستوية الخلق جيدته ، أو متقنة البنيان أو صفيقة ، أو ذات طرق معقولة ظاهر ، وأما كون كل منها كذلك بمعنى ذات طرق محسوسة فباعتبار أن الكواكب في أي سماء كانت تسير مسامتة لسائر السماوات ، فممراتها باعتبار المسامتة طرق ، وبمعنى ذات النجوم فباعتبار أن النجوم في أي سماء كانت تشاهد في سائر السماوات بناء على أن السماوات شفافة لا يحجب كل منها إدراك ما وراءه ، وأخرج الحسن ابن منيع عن كرم الله تعالى وجهه أنه قال : هي السماء السابعة ، وعن علي عبد الله بن عمرو مثله فتدبر ولا تغفل.
وقرأ ابن عباس بخلاف عنه والحسن وأبو مالك الغفاري وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو السمال [ ص: 5 ] ونعيم عن «الحبك » بإسكان الباء على زنة القفل ، أبي عمرو بفتحها جمع حبكة مثل طرفة وطرف وبرقة وبرق ، وعكرمة وأبو مالك الغفاري بخلاف عنه أيضا بكسر الحاء والباء - كالإبل - وهو على ما ذكر والحسن الخفاجي اسم مفرد ورد على هذا الوزن شذوذا وليس جمعا ، وأبو مالك والحسن وأبو حيوة أيضا بكسر الحاء وإسكان الباء - كالسلك - وهو تخفيف فعل مكسور الفاء والعين وهو اسم مفرد لا جمع لأن فعلا ليس من أبنية الجموع - قاله في البحر - وابن عباس وأبو مالك أيضا بفتحهما - كالجبل - قال أبو الفضل الرازي : فهو جمع حبكة مثل عقبة وعقب ، أيضا بكسر الحاء وفتح الباء كالنعم ، والحسن وأبو مالك أيضا بكسر الحاء وضم الباء وذكرها عن ابن عطية أيضا ثم قال : هي قراءة شاذة غير متوجهة وكأنه بعد أن كسر الحاء توهم قراءة الجمهور فضم التاء وهذا من تداخل اللغات وليس في كلام الحسن العرب هذا البناء أي لأن فيه الانتقال من خفة إلى ثقل على عكس ضرب مبنيا للمفعول ، وقال صاحب اللوامح : هو عديم النظير في العربية في أبنيتها وأوزانها ولا أدري ما وراءه انتهى .
وعلى التداخل تأول النحاة هذه القراءة ، وقال : الأحسن عندي أن يكون ذلك مما أتبع فيه حركة الحاء لحركة تاء ( ذات ) في الكسر ولم يعتد باللام الساكنة لأن الساكن حاجز غير حصين . أبو حيان