ذو مرة ذو حصافة واستحكام في العقل كما قال بعضهم ، فكأن الأول وصف بقوة الفعل ، وهذا وصف بقوة النظر والعقل لكن قيل : إن ذاك بيان لما وضع له اللفظ فإن العرب تقول لكل قوي العقل والرأي ( ذو مرة ) من أمررت الحبل إذا أحكمت فتله وإلا فوصف الملك بمثله غير ظاهر فهو كناية عن ظهور الآثار البديعة ، وعن ذو حكمة لأن كلام الحكماء متين ، وروى سعيد بن المسيب الطستي أن نافع بن الأزرق سأل عنه فقال : ذو شدة في أمر الله عز وجل واستشهد له ، وحكى ابن عباس الطيبي عنه أنه قال : ذو منظر حسن واستصوبه ، وفي معناه قول الطبري ذو خلق حسن : وهو في مجاهد
قوله صلى الله تعالى عليه وسلم : بمعنى ذي قوة ، وفي الكشف إن ( المرة ) لأنها في الأصل تدل على المرة بعد المرة تدل على زيادة القوة فلا تغفل «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوى » فاستوى أي فاستقام على صورته الحقيقية التي خلقه الله تعالى عليها وذلك عند حراء في مبادئ النبوة وكان له عليه الصلاة والسلام - كما في حديث أخرجه الإمام أحمد وجماعة عن وعبد بن حميد - ستمائة جناح كل جناح منها يسد الأفق فالاستواء ها هنا بمعنى اعتدال الشيء في ذاته كما قال الراغب ، وهو المراد بالاستقامة لا ضد الاعوجاج ، ومنه استوى الثمر إذا نضج ، وفي كلام على ما قال ابن مسعود الخفاجي : طي لأن وصفه عليه السلام بالقوة وبعض صفات البشر يدل على أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم رآه في غير هيئته الحقيقية وهذا تفصيل لجواب سؤال مقدر كأنه قيل : فهل رآه على صورته الحقيقية ؟ فقيل : نعم رآه فاستوى إلخ ، وفي الإرشاد أنه عطف على علمه بطريق التفسير فإنه إلى قوله تعالى : ما أوحى بيان لكيفية التعليم ، وتعقب بأن الكيفية غير منحصرة فيما ذكر ، ومن هنا قيل : إن الفاء للسببية فإن تشكله عليه السلام بشكله يتسبب عن قوته وقدرته على الخوارق أو عاطفة على ( علمه ) على معنى علمه على غير صورته الأصلية ، ثم استوى على صورته الأصلية وتعقب بأنه لا يتم به التئام الكلام ويحسن به النظام ، وقيل : [ ص: 48 ] استوى بمعنى ارتفع والعطف على علم ، والمعنى ارتفع إلى السماء بعد أن علمه وأكثر الآثار تقتضي ما تقدم .