وحسن الفتى في الأنف والأنف عاطل فكيف إذا ما الخال كان له حليا
وجعلوه مكان العزة والحمية واشتقوا منه الأنفة وقالوا: الأنف في الأنف وحمى أنفه وفلان شامخ العرنين وقالوا في الذليل: جدع أنفه ورغم أنفه ومنه قول جرير :
لما وضعت على ميسمي وعلى البعيث جدعت أنف الفرزدق الأخطل
وفي لفظ الخرطوم استهانة لأنه لا يستعمل إلا في الفيل والخنزير، ففي التعبير عن الأنف بهذا الاسم ترشيح لما دل عليه الوسم على العضو المخصوص من الإذلال والمراد سنهينه في الدنيا ونذله غاية الإذلال، وكون الوعيد المذكور في الدنيا هو المروي عن وذهب إليه جمع إلا أنهم قالوا: المعنى سنفعل به في الدنيا من الذم والمقت والاشتهار بالشر ما يبقى فيه ولا يخفى، فيكون ذلك كالوسم على الأنف ثابتا ( بينا ) كما تقول: سأطوقك طوق الحمامة أي أثبت لك الأمر ( بينا ) فيك، وزاد ذلك حسنا ذكر قتادة الخرطوم انتهى . .
وبينه وبين ما تقدم فرق لا يخفى وقال بعض: هو في الآخرة، ومن القائلين بأن هذا وعيد بأمر يكون فيها من قال هو تعذيب بنار على أنفه في جهنم وحكي ذلك عن وقال آخرون منهم يوسم يوم القيامة على أنفه بسمة يعرف بها كفره وانحطاط قدره . وقال المبرد أبو العالية واختاره ومقاتل المراد يسود وجهه يوم القيامة قبل دخول النار، وذكر الفراء الخرطوم والمراد الوجه مجازا ومن القائلين بأنه يكون في الدنيا من قال هو وعيد بما أصابه يوم بدر فإنه خطم فيه بالسيف فبقيت سمة على خرطومه، وروي هذا عن ، والمعروف في كتب السير والأحاديث أن ابن عباس أبا جهل قتل يوم بدر والباقين ما عدا الحكم ماتوا قبله فلم يسم أحد منهم بذلك الوسم، وكذا الحكم لم يعلم أنه وسم بذلك وإن كان لم يمت قبل . وعن النضر بن شميل أن الخرطوم الخمر وأنشد:
تظل يومك في لهو وفي لعب وأنت بالليل شراب الخراطيم
وإن المعنى سنحده على شربها وتعقب بأنه تنفيه الرواية بأنه أولئك الكفرة هلكوا قبل تحريم الخمر ما عدا الحكم وهو لم يثبت أنه حد على أنهم لم يكونوا ملتزمي الأحكام والدراية أيضا لتعقيد اللفظ وفوات فخامة المعنى .