فللقول الثاني أيضا موقع حسن وكأنه قيل إن هذا القرآن لقول جبريل الرسول الكريم وما هو من تلقاء محمد صلى الله عليه وسلم كما تزعمون وتدعون أنه شاعر وكاهن ويكون قد نفى عنه صلى الله عليه وسلم الشعر والكهانة على سبيل الإدماج انتهى وهو تحقق حسن .
قليلا ما تؤمنون أي تصدقون تصديقا قليلا على أن قليلا صفة للمفعول المطلق لتؤمنون وما مزيدة للتأكيد والقلة بمعناها الظاهر لأنهم لظهور صدقه صلى الله عليه وسلم لزم تصديقهم له عليه الصلاة والسلام في الجملة وإن أظهروا خلافه عنادا وأبوه تمردا بألسنتهم وحمل القلة على العدم والنفي أي لا تؤمنون البتة ولا كلام فيه سوى أنه دون الأول في الظهور . الزمخشري
وقال : لا يراد بقليلا هنا النفي المحض كما زعم فذلك لا يكون إلا في أقل نحو أقل رجل يقول كذا إلا زيد وفي قل نحو قل رجل يقول كذا إلا زيد وقد يكون في قليل وقليلة إذا كانا مرفوعين نحو ما جوزوا في قوله: أبو حيان
أنيخت فألقت بلدة فوق بلدة قليل بها الأصوات إلا بغامها
أما إذا كان منصوبا نحو قليلا ضربت أو قليلا ما ضربت على أن تكون ما مصدرية فإن ذلك لا يجوز لأنه في قليلا ضربت منصوب بضربت ولم تستعمل العرب قليلا إذا انتصب بالفعل نفيا بل مقابلا للكثير وأما في قليلا ما ضربت على أن تكون ما مصدرية فيحتاج إلى رفع قليل لأن ما المصدرية في موضع رفع على الابتداء اهـ .
وأنت تعلم أن مثل ذلك لا يسمع على مثل بغير دليل فإن الظاهر أنه ما قال ما قال إلا عن وقوف وهو فارس ميدان العربية وجوز كونه صفة لزمان محذوف أي زمانا قليلا تؤمنون وذلك على ما قيل إذا سئلوا من خلقهم أو من خلق السماوات والأرض فإنهم يقولون حينئذ الله تعالى . وقال الزمخشري نصب ابن عطية قليلا بفعل مضمر يدل عليه تؤمنون ويحتمل أن تكون ما نافية فينتفي إيمانهم البتة، ويحتمل أن تكون مصدرية وما يتصف بالقلة هو الإيمان اللغوي وقد صدقوا بأشياء يسيرة لا تغني عنهم شيئا ككون الصلة والعفاف اللذين كانا يأمر بهما عليه الصلاة والسلام حقا وصوابا اهـ .
وتعقب بأنه لا يصح نصب قليلا بفعل مضمر دال عليه تؤمنون لأنه إما أن تكون ما المقدرة معه نافية فالفعل المنفي بما لا يجوز حذفه وكذا حذف ما فلا يجوز زيدا ما أضربه على تقدير ما أضرب زيدا ما أضربه وإن كانت مصدرية كانت إما في موضع رفع على الفاعلية بقليلا أي قليلا إيمانكم ويرد عليه لزوم عمله من غير تقدم ما يعتمد عليه ونصبه لا ناصب له وإما في موضع رفع على الابتداء ويرد عليه لزوم كونه مبتدأ بلا خبر لأن ما قبله منصوب لا مرفوع فتأمل . وقرأ ابن كثير وابن عامر بخلاف عنهما وأبو عمرو والحسن والجحدري «يؤمنون» بالياء التحتية على الالتفات .