وطعاما ذا ( غصة ينشب في الحلوق ولا يكاد يساغ كالضريع والزقوم . وعن شوك من نار يعترض في حلوقهم لا يخرج ولا ينزل ( وعذابا أليما يوم ) ونوعا آخر من العذاب مؤلما لا يقادر قدره ولا يعرف كنهه ( إلا ) الله عز وجل كما يشعر بذلك المقابلة والتنكير وما أعظم هذه الآية ابن عباس
فقد أخرج في الزهد الإمام أحمد وابن أبي داود في الشريعة وابن عدي في الكامل في الشعب من طريق والبيهقي حمران بن أعين عن أبي حرب بن الأسود أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرأ إن لدينا أنكالا إلخ فصعق .
وفي رواية أنه عليه الصلاة والسلام نفسه قرأ إن لدينا أنكالا فلما بلغ أليما صعق
وقال خالد بن حسان : أمسى عندنا وهو صائم فأتيته بطعام فعرضت له هذه الآية الحسن إن لدينا إلخ فقال ارفعه فلما كانت الليلة الثانية أتيته بطعام فعرضت له أيضا فقال ارفعه وكذلك الليلة الثالثة فانطلق ابنه إلى ثابت البناني ويزيد الضبي فحدثهم بحديثه فجاؤوا معه فلم يزالوا به حتى شرب شربة من سويق . ويحيى البكاء
وفي الحديث السابق إذا صح ما يقيم العذر للصوفية ونحوهم الذين يصعقون عند سماع بعض الآيات ويقعد إنكار رضي الله عنها ومن وافقها عليهم اللهم ( إلا ) أن يقال إن الإنكار ليس ( إلا ) على من يصدر منه ذلك اختيارا وهو أهل لأن ينكر عليه كما لا يخفى أو يقال صعق من الصعق بسكون العين وقد يحرك غشي عليه لا من الصعق بالتحريك شدة الصوت وذلك مما لم تنكره عائشة رضي الله تعالى عنها ولا غيرها وللإمام في الآية كلام على نحو كلام الصوفية قال اعلم أنه يمكن حمل هذه المراتب الأربعة على العقوبة الروحانية أما الأنكال فهي عبارة عن بقاء النفس في قيد التعلقات الجسمانية واللذات البدنية فإنها في الدنيا لما اكتسبت ملكة تلك المحبة والرغبة فبعد البدن يشتد الحنين مع أن آلات الكسب [ ص: 108 ] قد بطلت فصارت تلك كالأنكال والقيود المانعة له من التخلص إلى عالم الروح والصفاء ثم يتولد من تلك القيود الروحانية نيران روحانية فإن شدة ميلها إلى الأحوال البدنية وعدم تمكنها من الوصول إليها توجب حرقة شديدة روحانية كمن تشتد رغبته في وجدان شيء ثم إنه لا يجده فإنه يحترق قلبه عليه فذاك هو الجحيم . عائشة
ثم إنه يتجرع غصة الحرمان وألم الفراق فذاك هو المراد من قوله سبحانه وطعاما ذا غصة ثم إنه بسبب هذه الأحوال بقي محروما عن تجلي نور الله تعالى والانخراط في سلك القدسيين وذلك هو المراد بقوله عز وجل وعذابا أليما وتنكير ( عذابا ) يدل على أنه أشد مما تقدم وأكمل واعلم أني لا أقول المراد بالآية ما ذكرته فقط بل أقول إنها تفيد حصول المراتب الأربعة الجسمانية وحصول المراتب الأربعة الروحانية ولا يمتنع الحمل عليهما وإن كان اللفظ بالنسبة إلى المراتب الجسمانية حقيقة وبالنسبة إلى المراتب الروحانية مجازا لكنه مجاز متعارف مشهور انتهى وتعقب بأنه بالحمل عليهما يلزم الجمع بين الحقيقة والمجاز أو عموم المجاز من غير قرينة وليس في الكلام ما يدل عليه بوجه من الوجوه وأنت تعلم أن أكثر باب الإشارة عند الصوفية من هذا القبيل .
وقوله تعالى ترجف الأرض والجبال قيل متعلق بذرني وقيل صفة ( عذابا ) وقيل متعلق بأليما واختار جمع أنه متعلق بالاستقرار الذي تعلق به ( لدينا ) أي استقر ذلك العذاب لدينا وظهر يوم تضطرب الأرض والجبال وتتزلزل وقرأ «ترجف» مبنيا للمفعول زيد بن علي وكانت الجبال مع صلابتها وارتفاعها كثيبا رملا مجتمعا من كثب الشيء إذا جمعه فكأنه في الأصل فعيل بمعنى مفعول ثم غلب حتى صار له حكم الجوامد والكلام على التشبيه البليغ وقيل لا مانع من أن تكون رملا حقيقة مهيلا قيل أي رخوا لينا إذا وطئته القدم زل من تحتها وقيل منثورا من هيل هيلا إذا نثر وأسيل وكونه كثيبا باعتبار ما كان عليه قبل النثر فلا تنافي بين كونه مجتمعا ومنثورا وليس المراد أنه في قوة ذلك وصدده كما قيل .