ومن باب الإشارة فيها وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر حين رآه محتجبا بظواهر عالم الملك عن حقائق الملكوت وربوبيته تعالى للأشياء معتقدا تأثير الأكوان والأجرام ذاهلا عن الملكوت جل شأنه أتتخذ أصناما أي أشباحا خالية بذواتها عن الحياة آلهة فتعتقد تأثيرها إني أراك وقومك في ضلال مبين ظاهر عند من كشف عن عينه الغين، وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض أي نوقفه على القوى الروحانية التي ندبر بها أمر العالم العلوي والسفلي أو نوقفه على حقيقتها وليكون من الموقنين أي أهل الإيقان العالمين أن لا تأثير إلا لله تعالى يدبر الأمر بأسمائه سبحانه فلما جن عليه الليل أي أظلم عليه ليل عالم الطبيعة الجسمانية وذلك عند الصوفية في صباه وأول شبابه رأى كوكبا وهو كوكب النفس المسماة روحا حيوانية الظاهر في ملكوت الهيكل الإنساني فقال حين رأى فيضه وحياته وتربيته من ذلك بلسان الحال: هذا ربي ، وكان الله تعالى يريه في ذلك الحين باسمه المحيي فلما أفل بطلوع نور القلب قال لا أحب الآفلين فلما رأى القمر أي قمر القلب بازغا من أفق النفس ووجد فيضه بمكاشفات الحقائق والمعارف وتربيته منه قال هذا ربي ، وكان الله تعالى يريه إذ ذاك باسمه العالم والحكيم فلما أفل قال لئن لم يهدني ربي إلى نور وجهه لأكونن من القوم الضالين المحتجبين بالبواطن عنه سبحانه، فلما رأى الشمس أي شمس الروح بازغة متجلية عليه قال إذ وجد فيضه وشهوده وتربيته منها هذا ربي وكان سبحانه يريه حينئذ باسمه الشهيد والعلي العظيم هذا أكبر من الأولين فلما أفلت بتجلي أنوار الحق وتشعشع سبحات الوجه قال يا قوم إني بريء مما تشركون إذ لا وجود بغيره سبحانه إني وجهت وجهي أي أسلمت ذاتي ووجودي للذي فطر أوجد السماوات والأرض أي سموات الأرواح وأرض النفس حنيفا مائلا عن كل ما سواه حتى عن وجودي وميلي بالفناء فيه جل جلاله وما أنا من المشركين في شيء، وحاجه قومه في ترك السوي قال أتحاجوني في الله وقد هداني إلى وجوده الحق وتوحيده، الذين آمنوا الإيمان الحقيقي ولم يلبسوا إيمانهم بظلم من ظهور نفس أو قلب أو وجود بقية أولئك لهم الأمن الحقيقي وهم مهتدون حقيقة إلى الحق
وقال قد يدور في الخلد أن النيسابوري : إبراهيم عليه السلام جن عليه ليل الشبهة وظلمتها فنظر أولا في عالم [ ص: 211 ] الأجسام فوجدها آفلة في أفق التغيير فلم يرها تصلح للإلهية فارتقى منها إلى عالم النفوس المدبرة للأجسام فرآها آفلة في أفق الاستكمال، فكان حكمها حكم ما دونها فصعد منها إلى عالم العقول المجرد فصادفها آفلة في أفق الإمكان فلم يبق إلا الواجب، وقيل غير ذلك، وما ذكر مبني على أن الاحتجاج كان مع نفسه عليه السلام وهو الذي ذهب إليه بعض من المفسرين، ورووا في ذلك خبرا طويلا وهو مذكور في كثير من الكتب مشهور بين العامة، والمختار عندي ما علمت والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل