ووهبنا له أي إبراهيم عليه السلام إسحاق وهو ولده من سارة عاش مائة وثمانين سنة، وفي نديم الفريد أن معنى إسحق بالعربية الضحاك ويعقوب وهو ابن إسحق عاش مائة وسبعا وأربعين سنة، والجملة عطف على قوله تعالى : وتلك حجتنا إلخ وعطف الفعلية على الاسمية مما لا نزاع في جوازه، ويجوز على بعد أن تكون عطفا على جملة (آتينا) بناء على أنها لا محل لها من الإعراب كما هو أحد الاحتمالات
، وقوله تعالى : كلا مفعول لما بعده وتقديمه عليه للقصر لا بالنسبة إلى غيرهما بل بالنسبة إلى أحدهما أي كل واحد منهما هدينا لا أحدهما دون الآخر، وقيل : المراد كلا من الثلاثة، وعليه الطبرسي. واختار كثير من المحققين الأول لأن هداية إبراهيم عليه السلام معلومة من الكلام قطعا وترك ذكر المهدي إليه لظهور أنه الذي أوتي إبراهيم عليه السلام فإنهما متعبدان به
وقال : المراد هديناهم بنيل الثواب والكرمات الجبائي ونوحا قال شيخ الإسلام : منصوب بمضمر يفسره هدينا من قبل ولعله إنما لم يجعله مفعولا مقدما للمذكور لئلا يفصل بين العاطف والمعطوف بشيء أو يخلو التقديم عن الفائدة السابقة أعني القصر ولا يخلو ذلك عن تأمل أي من قبل إبراهيم عليه السلام
ونوح -كما قال الجواليقي- أعجمي معرب، زاد الكرماني ومعناه بالسريانية الساكن، وقال في المستدرك : إنما سمي الحاكم نوحا لكثرة بكائه على نفسه واسمه عبد الغفار، والأول أثبت عندي، وأكثر الصحابة رضي الله تعالى عنهم -كما قال أنه عليه السلام كان قبل الحاكم- إدريس عليه السلام. وذكر النسابون أنه ابن لمك بفتح اللام وسكون الميم بعدها كاف ابن متوشلخ بفتح الميم وتشديد المثناة المضمومة بعدها واو ساكنة وفتح الشين المعجمة واللام والخاء المعجمة ابن أخنوخ بفتح المعجمة وضم النون الخفيفة وبعدها واو ساكنة ثم معجمة وهو إدريس فيما يقال. وروى عن الطبراني رضي الله تعالى عنه قال : " أبي ذر قلت يا رسول الله من أول الأنبياء قال : آدم عليه السلام قلت : ثم من؟ قال نوح عليه السلام : وبينهما عشرة قرون " وهذا ظاهر في أن إدريس عليه السلام لم يكن قبله
وذكر أن مولده عليه السلام كان بعد وفاة ءادم عليه السلام بمائة وستة وعشرين عاما. وذكره سبحانه هنا قيل لأنه لما ذكر سبحانه إنعامه على خليله من جهة الفرع ثنى بذكر إنعامه عليه من جهة الأصل؛ فإن شرف الوالد سار إلى الولد، وقيل : إنما ذكره سبحانه لأن قومه عبدوا الأصنام فذكره ليكون له به أسوة، وأما أنه ذكر لما مر فلا دلالة على علاقة الأبوة ليقبل، ودلالة (من قبل) على ذلك غير ظاهرة. وقنع بعضهم بالشهرة عن ذلك ابن جرير ومن ذريته الضمير عند جمع لإبراهيم عليه السلام لأن مساق النظم الجليل لبيان شئونه [ ص: 212 ] وما من الله تعالى به عليه من إيتاء الحجة، ورفع الدرجات، وهبة الأولاد الأنبياء، وإبقاء هذه الكرامة في نسله؛ كل ذلك لإلزام من ينتمي إلى ملته من المشركين واليهود ، واختار آخرون كونه لنوح عليه السلام لأنه أقرب، ولأنه ذكر في الجملة (لوطا) عليه السلام وليس من ذرية إبراهيم بل كان ابن أخيه -كما سيأتي إن شاء الله تعالى- آمن به وشخص معه مهاجرا إلى الشام فأرسله الله تعالى إلى أهل سدوم، وكذلك يونس عليه السلام لم يكن من ذريته -فيما ذكر محيي السنة- فلو كان الضمير له لاختص بالمعدودين في هذه الآية والتي بعدها، وأما المذكورون في الآية الثالثة فعطف على (نوحا) ولا يجب أن يعتبر في المعطوف ما هو قيد في المعطوف عليه، ولا يضر ذكر إسماعيل هناك وإن كان من ذرية إبراهيم عليهما السلام لأن السكوت عن إدراجه في الذرية لا يقتضي أنه ليس منهم وإنما لم يعد -كما قال بعض المحققين- : في موهبته كإسحق لأن هبة إسحق كانت في كبره وكبر زوجته فكانت في غاية الغرابة، وذكر يعقوب لأن إبقاء النبوة بطنا بعد بطن غاية النعمة، ولم يعطف كلا هدينا لأنه مؤكد لكونه نعمة
ومن الناس من ادعى أن يونس عليه السلام من ذرية إبراهيم صلى الله عليه وسلم وصرح في جامع الأصول أنه كان من الأسباط في زمن شعيا، وحينئذ يبقى لوط فقط خارجا ولا يترك له إرجاع الضمير على إبراهيم؛ وجعله مختصا بالمعدودين في الآيات الثلاث لأنه لما كان ابن أخيه آمن به وهاجر معه أمكن أن يجعل من ذريته على سبيل التغليب كما قال الطيبي. وروي عن رضي الله تعالى عنهما أن هؤلاء الأنبياء عليهم السلام كلهم مضافون إلى ذرية ابن عباس إبراهيم وإن كان منهم من لم يلحقه بولادة من قبل أم ولا أب لأن لوطا ابن أخي إبراهيم والعرب تجعل العم أبا؛ كما أخبر الله تعالى عن أبناء يعقوب أنهم قالوا: نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق مع أن إسماعيل عم يعقوب. والجار والمجرور متعلق بفعل مضمر مفهوم مما سبق، وقيل : بمحذوف وقع حالا من المذكورين في الآية، واختير الأول أي وهدينا من ذريته داود هو -كما قال الجلال السيوطي- : ابن إيشا بكسر الهمزة وسكون الياء المثناة التحتية وبالشين المعجمة ابن عوبر بمهملة وموحدة بوزن جعفر ابن عابر بموحدة ومهملة مفتوحة ابن سلمون بن يخيثون بن عمي بن يارب بتحتية وآخره باء موحدة ابن رام بن حضرموت بمهملة ثم معجمة بن فارص بفاء وآخره مهملة بن يهوذا بن يعقوب
قال كعب : كان أحمر الوجه سبط الرأس أبيض الجسم طويل اللحية فيها جعودة حسن الصوت والخلق، وجمع له بين النبوة والملك. ونقل النووي عن المؤرخين أنه عاش مائة سنة، ومدة ملكه منها أربعون، وله اثنا عشر ابنا وسليمان ولده. قال كعب : كان أبيض جسيما وسيما وضيئا جميلا خاشعا متواضعا وكان أبوه يشاوره في كثير من أموره في صغر سنه لوفور عقله وعلمه. وعن رضي الله تعالى عنهما أنه ملك الأرض. وعن المؤرخين أنه ملك وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وابتدأ بناء بيت المقدس بعد ملكه بأربع سنين، وتوفي وله ثلاث وخمسون سنة. وتقديم المفعول الصريح للاهتمام بشأنه مع ما في المفاعيل من نوع طول ربما يخل تأخيره بتجاوب النظم الكريم ابن عباس وأيوب قال : هو ابن موص بن روم بن عيص بن إسحق، وقيل : ابن موص بن تارخ بن روم إلخ وحكى ابن جرير أن أمه بنت ابن عساكر لوط عليه السلام وأن أباه ممن آمن بإبراهيم فهو قبل موسى عليه السلام وقال إنه كان بعد ابن جرير: شعيب، وقال [ ص: 213 ] ابن أبي خيثمة كان بعد سليمان ، وروى أن مدة عمره كانت ثلاثا وتسعين سنة، الطبراني ويوسف وهو على الصحيح المشهور ابن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم ويشهد له ما أخرجه في صحيحه من حديث ابن حبان مرفوعا أبي هريرة إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم. عاش مائة وعشرين سنة. وفيه ست لغات بتثليث السين مع الياء والهمزة، والصواب أنه أعجمي لا اشتقاق له، وموسى وهو ابن عمران بن يصهر بن ماهيث بن لاوي بن يعقوب، ولا خلاف في نسبه وهو اسم سرياني
وأخرج من طريق أبو الشيخ عن عكرمة رضي الله تعالى عنهما قال : إنما سمي ابن عباس موسى لأنه ألقي بين شجر وماء فالماء بالقبطية مو والشجر شا، وفي الصحيح وصفه بأنه آدم طوال جعد كأنه من رجال شنوءة، وعاش -كما قال الثعلبي- مائة وعشرين سنة، وهارون أخوه وشقيقه، وقيل : لأمه، وقيل : لأبيه فقط حكاهما الكرماني في عجائبه مات قبل موسى عليهما السلام وكان ولد قبله بسنة، وفي بعض أحاديث الإسراء صعدت إلى السماء الخامسة فإذا أنا بهرون ونصف لحيته أبيض ونصفها أسود تكاد تضرب سرته من طولها فقلت : يا جبريل من هذا؟ قال : المحبب في قومه هارون بن عمران ، وذكر بعضهم أن معنى هارون بالعبرانية المحبب وكذلك نجزي المحسنين
84
- قيل : أي نجزيهم مثل ما جزينا إبراهيم عليه السلام برفع درجاته وكثرة أولاده والنبوة فيهم، والمراد مطلق المشابهة في مقابلة الإحسان بالإحسان والمكانات بين الأعمال والأجزية من غير بخس لا المماثلة من كل وجه لأن اختصاص إبراهيم صلى الله عليه وسلم بكثرة النبوة في عقبه أمر مشهور
واختار بعض المحققين كون التشبيه على حد ما تقدم في قوله تعالى : وكذلك جعلناكم أمة وسطا ونظائره، وأل في (المحسنين) للعهد، والإظهار في موضع الإضمار للثناء عليهم بالإحسان الذي هو عبارة عن الإتيان بالأعمال على الوجه اللائق الذي هو حسنها الوصفي المقارن لحسنها الذاتي وقد فسره صلى الله عليه وسلم بقوله: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك، والجملة اعتراض مقرر لما قبلها