قد جاءكم بصائر من ربكم استئناف وارد على لسان الرسول صلى الله تعالى عليه وسلم، فقل مقدرة كما قاله بعض المحققين، والبصائر جمع بصيرة وهي للقلب كالبصر للعين، والمراد بها الآيات الواردة ههنا أو جميع الآيات ويدخل ما ذكر دخولا أوليا و (من) لابتداء الغاية مجازا وهي متعلقة بجاء أو بمحذوف وقع صفة لـ (بصائر) والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير المخاطبين لإظهار كمال اللطف بهم أي قد جاءكم من جهة مالككم ومبلغكم إلى كمالكم اللائق بكم من الوحي الناطق بالحق والصواب ما هو كالبصائر للقلوب أو قد جاءكم بصائر كائنة من ربكم فمن أبصر أي الحق بتلك البصائر وآمن به فلنفسه أي فلنفسه أبصر كما نقل عن وتبعه الكلبي أو فإبصاره لنفسه كما اختاره الزمخشري لما ستعلم قريبا إن شاء الله تعالى أبو حيان
والمراد على القولين أن نفع ذلك يعود إليه ومن عمي أي ومن لم يبصر الحق بعدما ظهر له بتلك البصائر ظهورا بينا وضل عنه، وإنما عبر عنه بالعمى تنفيرا عنه فعليها عمى أو فعماه عليها أي وبال ذلك عليها، وهما قولان لمن تقدم. وذكر أن تقدير المصدر أولى لوجهين : أحدهما أن المحذوف يكون مفردا لا جملة ويكون الجار والمجرور عمدة لا فضلة. والثاني أنه لو كان المقدر فعلا لم تدخل الفاء سواء كانت (من) شرطية أو موصولة لامتناعها في الماضي. وتعقب بأن تقدير الفعل يترجح لتقدم فعل ملفوظ به وكان أقوى في الدلالة، وأيضا أن في تقديره تقديم المعمول المؤذن بالاختصاص، وأيضا ما ذكر في الوجه الثاني غير لازم [ ص: 249 ] لأنه لا يقدر الفعل موليا لفاء الجواب بل قدر معمول الفعل الماضي مقدما ولا بد فيه من الفاء فلو قلت : من أكرم زيدا فلنفسه أكرمه لم يكن بد من الفاء. نعم لم يعهد تعدية (عمي) بـ (على) وهو لازم التقدير السابق في الجملة الثانية وكأنه لذلك عدل عنه بعضهم بعد أن وافق في الأول إلى قوله : (فعليها) وباله أبو حيان وما أنا عليكم بحفيظ
104
وإنما أنا منذر والله تعالى هو الذي يحفظ أعمالكم ويجازيكم عليها