وكذلك أي مثل ذلك التصريف البديع نصرف الآيات الدالة على المعاني الرائقة الكاشفة عن الحقائق الفائقة لا تصريفا أدنى منه
وقيل : المراد كما صرفنا الآيات قبل نصرف هذه الآيات. وقد تقدم لك ما هو الحري بالقبول. وأصل التصريف -كما قال علي بن عيسى - إجراء المعنى الدائر في المعاني المتعاقبة من الصرف وهو نقل الشيء من حال إلى حال
وقال : التصريف كالصرف إلا في التكثير وأكثره ما يقال في صرف الشيء من حال إلى حال وأمر إلى أمر الراغب
وليقولوا درست علة لفعل قد حذف تعويلا على دلالة السياق عليه أي وليقولوا درست نفعل ما نفعل من التصريف المذكور وبعضهم قدر الفعل ماضيا والأمر في ذلك سهل. واللام لام العاقبة
وجوز أن تكون للتعليل على الحقيقة لأن نزول الآيات لإضلال الأشقياء وهداية السعداء، قال تعالى: يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا والواو اعتراضية، وقيل : هي عاطفة على علة محذوفة. واللام متعلقة بـ (نصرف) أي مثل ذلك التصريف نصرف الآيات لتلزمهم الحجة وليقولوا إلخ وهو أولى من تقدير لينكروا وليقولوا إلخ، وقيل : اللام لام الأمر وينصره القراءة بسكون اللام كأنه قيل : وكذلك نصرف الآيات وليقولوا هم كما يقولون فإنهم لا احتفال بهم ولا اعتداد بقولهم، وهو أمر معناه الوعيد والتهديد وعدم الاكتراث. ورده في الدر المصون بأن ما بعده يأباه فإن اللام فيه نص في أنها لام كي، وتسكين اللام في القراءة الشاذة لا دليل فيه لاحتمال أن يكون للتخفيف. ومعنى درست قرأت وتعلمت، وأصله -على ما قال - من قولهم : درس الطعام يدرسه دراسا إذا داسه كأن التالي يدوس الكلام فيخف على لسانه الأصمعي
وقال أبو الهيثم : يقال درست الكتاب أي ذللته بكثرة القراءة حتى خف حفظه من قولهم : درست الثوب أدرسه درسا فهو مدروس ودريس أي أخلقته، ومنه قيل للثوب الخلق : دريس لأنه قد لان، والدرسة الرياضة، ومنه درست السورة حتى حفظتها. وهذا كما قال قريب مما قاله الواحدي أو هو نفسه لأن المعنى يعود فيه إلى التذليل والتليين. وقال الأصمعي : يقال درس الدار أي بقي أثره وبقاء الأثر يقتضي انمحاءه في نفسه فلذلك فسر الدروس بالانمحاء، وكذا درس الكتاب ودرست العلم تناولت أثره بالحفظ، ولما كان تناول ذلك بمداومة القراءة عبر عن إدامة القراءة بالدرس، وهو بعيد عما تقدم كما لا يخفى. وقرأ الراغب ابن كثير (دارست) بالألف وفتح التاء وهي قراءة وأبو عمرو ابن عباس أي دارست يا ومجاهد محمد غيرك ممن يعلم الأخبار الماضية وذكرته، وأرادوا بذلك نحو ما أرادوه بقولهم: إنما يعلمه بشر . قال الإمام: ويقوي هذه القراءة قوله تعالى حكاية عنهم : إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون وقرأ ابن عامر ويعقوب وسهل (درست) بفتح السين وسكون التاء، ورويت عن عبد الله بن الزبير وأبي وابن مسعود رضي الله تعالى عنهم والحسن
والمعنى قدمت هذه الآيات وعفت وهو كقولهم: (أساطير الأولين) . وقرئ (درست) بضم الراء مبالغة في [ ص: 250 ] درست لأن فعل المضموم للطبائع والغرائز أي اشتد دروسها، و (درست) على البناء للمفعول بمعنى قرئت أو عفيت. وقد صح مجيء عفا متعديا كمجيئه لازما؛ و (دارست) بتاء التأنيث أيضا. والضمير إما لليهود لاشتهارهم بالدراسة أي دارست اليهود محمدا صلى الله تعالى عليه وسلم، وإما للآيات وهو في الحقيقة لأهلها أي دارست أهل الآيات وحملتها محمدا عليه الصلاة والسلام وهم أهل الكتاب و درست على مجهول فاعل ودرست بالبناء للمفعول والإسناد إلى تاء الخطاب مع التشديد ونسبت إلى وادارست مشددا معلوما ونسبت إلى ابن زيد ، وفي رواية أخرى عن ابن عباس درس على إسناده إلى ضمير النبي صلى الله تعالى عليه وسلم أو الكتاب بمعنى انمحى ونحوه ودرسن بنون الإناث مخففا ومشددا و دارسات بمعنى قديمات أو ذات درس أو دروس كعيشة راضية وارتفاعه على أنه خبر مبتدإ محذوف أي هي دارسات (ولنبينه) عطف على (ليقولوا) واللام فيه للتعليل المفسر ببيان ما يدل على المصلحة المترتبة على الفعل عند الكثير من أهل السنة. ولا ريب في أن التبيين مصلحة مرتبة على التصريف. والخلاف في أن أفعال الله تعالى هل تعلل بالأغراض مشهور؛ وقد أشرنا إليه فيما تقدم. والضمير للآيات باعتبار التأويل بالكتاب أو للقرآن وإن لم يذكر لكونه معلوما أو لمصدر (نصرف) كما قيل أو نبين أي ولنفعلن التبيين أبي لقوم يعلمون
105
- فإنهم المنتفعون به وهو الوجه في تخصيصهم بالذكر. وهم -على ما روي عن : أولياؤه الذين هداهم إلى سبيل الرشاد ووصفهم بالعلم للإيذان بغاية جهل غيرهم وخلوهم عن العلم بالمرة. ابن عباس-