ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا [ ص: 346 ] من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضربا في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافا وما تنفقوا من خير فإن الله به عليم الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون
قوله عز وجل: للفقراء الذين أحصروا في سبيل الله قيل: هم فقراء المهاجرين ، وفي (أحصروا) أربعة أقاويل: أحدها: أنهم منعوا أنفسهم من التصرف للمعاش خوف العدو من الكفار ، قاله ، قتادة والثاني: منعهم الكفار بالخوف منهم ، قاله وابن زيد. . والثالث: منعهم الفقر من الجهاد. والرابع: منعهم التشاغل بالجهاد عن طلب المعاش. السدي لا يستطيعون ضربا في الأرض فيه قولان: أحدهما: يعني تصرفا ، قاله . والثاني: يعني تجارة ، قاله ابن زيد ، قتادة والسدي. يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفف يعني من قلة خبرته بهم ، ومن التعفف: يعني من التقنع والعفة والقناعة. تعرفهم بسيماهم السمة: العلامة ، وفي المراد بها هنا قولان: أحدهما: الخشوع ، قاله . والثاني: الفقر ، قاله مجاهد . السدي لا يسألون الناس إلحافا فيه وجهان: أحدهما: أن يسأل وله كفاية. [ ص: 347 ]
والثاني: أنه الاشتمال بالمسألة ، ومنه اشتق اسم اللحاف. فإن قيل: فهل كانوا يسألون غير إلحاف؟ قيل: لا; لأنهم كانوا أغنياء من التعفف ، وإنما تقدير الكلام لا يسألون فيكون سؤالهم إلحافا. قال في أهل الصفة من ابن عباس المهاجرين: لم يكن لهم بالمدينة منازل ولا عشائر وكانوا نحو أربعمائة. قوله عز وجل: الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون اختلفوا في سبب نزولها على ثلاثة أقاويل: أحدها: أنها نزلت في كرم الله وجهه ، كانت معه أربعة دراهم فأنفقها على أهل الصفة ، أنفق في سواد الليل درهما ، وفي وضح النهار درهما ، وسرا درهما ، وعلانية درهما ، قاله علي . والثاني: أنها نزلت في النفقة على الخيل في سبيل الله لأنهم ينفقون بالليل والنهار سرا وعلانية ، قاله ابن عباس ، أبو ذر والثالث: أنها نزلت في كل من أنفق ماله في طاعة الله. ويحتمل رابعا: أنها خاصة في إباحة الارتفاق بالزروع والثمار ، لأنه يرتفق بها كل مار في ليل أو نهار ، في سر وعلانية ، فكانت أعم لأنها تؤخذ عن الإرادة وتوافق قدر الحاجة. والأوزاعي.