قوله عز وجل: وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية في المكاء قولان: أحدهما: أنه إدخال أصابعهم في أفواههم ، قاله . والثاني: هو أن يشبك بين أصابعه ويصفر في كفه بفيه فيكون المكاء هو الصفير ، ومنه قول مجاهد عنترة:
وحليل غنية تركت مجدلا تمكو فريصته بشدق الأعلم
أي تصفر بالريح لما طعنته. وأما التصدية ففيها خمسة أقاويل: أحدهما: أنه التصفيق ، قاله ابن عباس وابن عمر والحسن ومجاهد وقتادة ومنه قول والسدي عمرو بن الإطنابة:
وظلوا جميعا لهم ضجة مكاء لدى البيت بالتصدية
والثاني: أنه الصد عن البيت الحرام ، قاله سعيد بن جبير . والثالث: أن يتصدى بعضهم لبعض ليفعل مثل فعله ، ويصفر له إن غفل عنه ، قاله بعض المتأخرين. وابن زيد
الرابع: أنها تفعلة من صد يصد ، وهو الضجيج ، قاله . ومنه قوله تعالى: أبو عبيدة إذا قومك منه يصدون [الزخرف: 57] أي يضجون.
الخامس: أنه الصدى الذي يجيب الصائح فيرد عليه مثل قوله ، قاله ابن بحر . فإن قيل: فلم سمى الله تعالى ما كانوا يفعلونه عند البيت من المكاء والتصدية صلاة وليس منها؟ [ ص: 316 ] قيل عن ذلك جوابان: أحدهما: أنهم كانوا يقيمون التصفيق والصفير مقام الدعاء والتسبيح فجعلوا ذلك صلاة وإن لم يكن في حكم الشرع صلاة. والثاني: أنهم كانوا يعملون كعمل الصلاة. فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فيه قولان: أحدهما: عذاب السيف يوم بدر ، قاله الحسن الضحاك وابن جريج والثاني: أنه يقال لهم في الآخرة وابن إسحاق. فذوقوا العذاب وفيه وجهان: أحدهما: فالقوا.
الثاني: فجربوا. وحكى في نزول هذه الآية مقاتل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى في المسجد الحرام قام من كفار بني عبد الدار بن قصي رجلان عن يمين النبي صلى الله عليه وسلم يصفران كما يصفر المكاء والمكاء طائر ، ورجلان منهم عن يساره يصفقان بأيديهما ليخلطوا عليه صلاته وقراءته ، فنزلت هذه الآية فيهم.