قالت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون
إن نحن إلا بشر مثلكم : تسليم لقولهم، وأنهم بشر مثلهم، يعنون: أنهم مثلهم في البشرية وحدها، فأما ما وراء ذلك فما كانوا مثلهم، ولكنهم لم يذكروا فضلهم تواضعا [ ص: 368 ] منهم، واقتصروا على قولهم: ولكن الله يمن على من يشاء من عباده : بالنبوة، لأنه قد علم أنه لا يختصهم بتلك الكرامة إلا وهم أهل لاختصاصهم بها، لخصائص فيهم قد استأثروا بها على أبناء جنسهم، إلا بإذن الله : أرادوا أن الإتيان بالآية التي اقترحتموها ليس إلينا ولا في استطاعتنا، وما هو إلا أمر يتعلق بمشيئة الله، وعلى الله فليتوكل المؤمنون : أمر منهم للمؤمنين كافة بالتوكل، وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا وأمروها به، كأنهم قالوا: ومن حقنا أن نتوكل على الله في الصبر على معاندتكم ومعاداتكم وما يجري علينا منكم، ألا ترى إلى قوله: وما لنا ألا نتوكل على الله : ومعناه: وأي عذر لنا في أن لا نتوكل عليه، وقد هدانا : وقد فعل بنا ما يوجب توكلنا عليه، وهو التوفيق لهداية كل واحد منا سبيله الذي يجب عليه سلوكه في الدين.
فإن قلت: كيف كرر الأمر بالتوكل ؟
قلت: الأول لاستحداث التوكل، وقوله: فليتوكل المتوكلون معناه: فليثبت المتوكلون على ما استحدثوا من توكلهم وقصدهم إلى أنفسهم على ما تقدم.