nindex.php?page=treesubj&link=28987_28902_30531_30539_30549_32409_32413_34308nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون nindex.php?page=treesubj&link=28987_30539_30549_34199_34274nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112وضرب الله مثلا قرية : أي: جعل القرية التي هذه حالها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فأبطرتهم النعمة، فكفروا وتولوا، فأنزل الله بهم نقمته، فيجوز أن تراد قرية مقدرة على
[ ص: 478 ] هذه الصفة، وأن تكون في قرى الأولين قرية كانت هذه حالها، فضربها الله مثلا لمكة إنذارا من مثل عاقبتها، "مطمئنة": لا يزعجها خوف، لأن الطمأنينة مع الأمن، والانزعاج والقلق مع الخوف، "رغدا": واسعا، والأنعم: جمع نعمة، على ترك الاعتداد بالتاء، كدرع وأدرع، أو جمع نعم، كبؤس وأبؤس، وفي الحديث نادى منادي النبي -صلى الله عليه وسلم- بالموسم بمنى: "إنها أيام طعم ونعم فلا تصوموا".
فإن قلت: الإذاقة واللباس استعارتان، فما وجه صحتهما ؟ والإذاقة المستعارة موقعة على اللباس المستعار، فما وجه صحة إيقاعها عليه ؟
[ ص: 479 ] قلت: أما الإذاقة: فقد جرت عندهم مجرى الحقيقة; لشيوعها في البلايا والشدائد وما يمس الناس منها، فيقولون: ذاق فلان البؤس والضر، وأذاقه العذاب: شبه ما يدرك من أثر الضرر والألم بما يدرك من طعم المر والبشع، وأما اللباس: فقد شبه به لاشتماله على اللابس: ما غشي الإنسان والتبس به من بعض الحوادث، وأما إيقاع الإذاقة على لباس الجوع والخوف، فلأنه لما وقع عبارة: "عما يغشى منهما"، ويلابس، فكأنه قيل: فأذاقه ما غشيهم من الجوع والخوف، ولهم في نحو هذا طريقان لا بد من الإحاطة بهما، فإن الاستنكار لا يقع إلا لمن فقدهما:
أحدهما: أن ينظروا فيه إلى المستعار له، كما نظر إليه ههنا، ونحوه قول
كثير [من الكامل]:
غمر الرداء إذا تبسم ضاحكا ... غلقت لضحكته رقاب المال
[ ص: 480 ] استعارة الرداء للمعروف، لأنه يصون عرض صاحبه صون الرداء لما يلقى عليه، ووصفه بالغمر الذي هو وصف المعروف والنوال، لا صفة الرداء، نظر إلى المستعار له.
والثاني: أن ينظروا فيه إلى المستعار، كقوله [من الوافر]:
ينازعني ردائي عبد عمرو ... رويدك يا أخا عمرو بن بكر
لي الشطر الذي ملكت يميني ... ودونك فاعتجر منه بشطر
أراد بردائه سيفه، ثم قال: فاعتجر منه بشطر، فنظر إلى المستعار في لفظ الاعتجار، ولو نظر إليه فيما نحن فيه لقيل: فكساهم لباس الجوع والخوف، ولقال كثير: ضافي الرداء إذا تبسم ضاحكا،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113وهم ظالمون : في حال التباسهم بالظلم، كقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الذين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم [النحل: 28]، نعوذ بالله من مفاجأة النقمة والموت على الغفلة، وقرئ : "والخوف": عطفا على اللباس، أو على تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه، أصله: ولباس الخوف، وقرئ : "لباس الخوف والجوع".
nindex.php?page=treesubj&link=28987_28902_30531_30539_30549_32409_32413_34308nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهُ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ nindex.php?page=treesubj&link=28987_30539_30549_34199_34274nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=112وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً : أَيْ: جَعَلَ الْقَرْيَةَ الَّتِي هَذِهِ حَالُهَا مَثَلًا لِكُلِّ قَوْمٍ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَأَبْطَرَتْهُمُ النِّعْمَةُ، فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ بِهِمْ نِقْمَتَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ تُرَادَ قَرْيَةٌ مُقَدَّرَةٌ عَلَى
[ ص: 478 ] هَذِهِ الصِّفَةِ، وَأَنْ تَكُونَ فِي قُرَى الْأَوَّلِينَ قَرْيَةٌ كَانَتْ هَذِهِ حَالُهَا، فَضَرَبَهَا اللَّهُ مَثَلًا لِمَكَّةَ إِنْذَارًا مِنْ مِثْلِ عَاقِبَتِهَا، "مُطْمَئِنَّةً": لَا يُزْعِجُهَا خَوْفٌ، لِأَنَّ الطُّمَأْنِينَةَ مَعَ الْأَمْنِ، وَالِانْزِعَاجَ وَالْقَلَقَ مَعَ الْخَوْفِ، "رَغَدًا": وَاسِعًا، وَالْأَنْعُمُ: جَمْعُ نِعْمَةٍ، عَلَى تَرْكِ الِاعْتِدَادِ بِالتَّاءِ، كَدِرْعٍ وَأَدْرُعْ، أَوْ جَمْعُ نُعْمٍ، كَبُؤْسٍ وَأَبْؤُسٍ، وَفِي الْحَدِيثِ نَادَى مُنَادِي النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِالْمَوْسِمِ بِمِنًى: "إِنَّهَا أَيَّامُ طُعْمٍ وَنُعْمٍ فَلَا تَصُومُوا".
فَإِنْ قُلْتَ: الْإِذَاقَةُ وَاللِّبَاسُ اسْتِعَارَتَانِ، فَمَا وَجْهُ صِحَّتِهِمَا ؟ وَالْإِذَاقَةُ الْمُسْتَعَارَةُ مُوقِعَةٌ عَلَى اللِّبَاسِ الْمُسْتَعَارِ، فَمَا وَجْهُ صِحَّةِ إِيقَاعِهَا عَلَيْهِ ؟
[ ص: 479 ] قُلْتُ: أَمَّا الْإِذَاقَةُ: فَقَدْ جَرَتْ عِنْدَهُمْ مَجْرَى الْحَقِيقَةِ; لِشُيُوعِهَا فِي الْبَلَايَا وَالشَّدَائِدِ وَمَا يَمَسُّ النَّاسَ مِنْهَا، فَيَقُولُونَ: ذَاقَ فُلَانٌ الْبُؤْسَ وَالضُّرَّ، وَأَذَاقَهُ الْعَذَابَ: شَبَّهَ مَا يُدْرَكُ مِنْ أَثَرِ الضَّرَرِ وَالْأَلَمِ بِمَا يُدْرَكُ مِنْ طَعْمِ الْمُرِّ وَالْبَشِعِ، وَأَمَّا اللِّبَاسُ: فَقَدْ شُبِّهَ بِهِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى اللَّابِسِ: مَا غَشِيَ الْإِنْسَانَ وَالْتَبَسَ بِهِ مِنْ بَعْضِ الْحَوَادِثِ، وَأَمَّا إِيقَاعُ الْإِذَاقَةِ عَلَى لِبَاسِ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ، فَلِأَنَّهُ لَمَّا وَقَعَ عِبَارَةً: "عَمَّا يُغْشَى مِنْهُمَا"، وَيُلَابَسُ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ: فَأَذَاقَهُ مَا غَشِيَهُمْ مِنَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ، وَلَهُمْ فِي نَحْوِ هَذَا طَرِيقَانِ لَا بُدَّ مِنَ الْإِحَاطَةِ بِهِمَا، فَإِنَّ الِاسْتِنْكَارَ لَا يَقَعُ إِلَّا لِمَنْ فَقَدَهُمَا:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَنْظُرُوا فِيهِ إِلَى الْمُسْتَعَارِ لَهُ، كَمَا نَظَرَ إِلَيْهِ هَهُنَا، وَنَحْوُهُ قَوْلُ
كُثَيِّرٍ [مِنَ الْكَامِلِ]:
غَمْرُ الرِّدَاءِ إِذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا ... غَلِقَتْ لِضِحْكَتِهِ رِقَابُ الْمَالِ
[ ص: 480 ] اسْتِعَارَةُ الرِّدَاءِ لِلْمَعْرُوفِ، لِأَنَّهُ يَصُونُ عِرْضَ صَاحِبِهِ صَوْنَ الرِّدَاءِ لِمَا يُلْقَى عَلَيْهِ، وَوَصْفُهُ بِالْغَمْرِ الَّذِي هُوَ وَصْفُ الْمَعْرُوفِ وَالنَّوَالِ، لَا صِفَةُ الرِّدَاءِ، نَظَرٌ إِلَى الْمُسْتَعَارِ لَهُ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَنْظُرُوا فِيهِ إِلَى الْمُسْتَعَارِ، كَقَوْلِهِ [مِنَ الْوَافِرِ]:
يُنَازِعُنِي رِدَائِي عَبْدُ عَمْرٍو ... رُوَيْدَكَ يَا أَخَا عَمْرِو بْنِ بَكْرِ
لِيَ الشَّطْرُ الَّذِي مَلَكَتْ يَمِيِنِي ... وَدُونَكَ فَاعْتَجِرْ مِنْهُ بِشَطْرِ
أَرَادَ بِرِدَائِهِ سَيْفَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَاعْتَجِرْ مِنْهُ بِشَطْرِ، فَنَظَرَ إِلَى الْمُسْتَعَارِ فِي لَفْظِ الِاعْتِجَارِ، وَلَوْ نَظَرَ إِلَيْهِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ لَقِيلَ: فَكَسَاهُمْ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ، وَلَقَالَ كُثَيِّرٌ: ضَافِي الرِّدَاءِ إِذَا تَبَسَّمَ ضَاحِكًا،
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=113وَهُمْ ظَالِمُونَ : فِي حَالِ الْتِبَاسِهِمْ بِالظُّلْمِ، كَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=28الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ [النَّحْلُ: 28]، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ مُفَاجَأَةِ النِّقْمَةِ وَالْمَوْتِ عَلَى الْغَفْلَةِ، وَقُرِئَ : "وَالْخَوْفَ": عَطْفًا عَلَى اللِّبَاسِ، أَوْ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ مَقَامَهُ، أَصْلُهُ: وَلِبَاسَ الْخَوْفِ، وَقُرِئَ : "لِبَاسَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ".