[ ص: 592 ] ( كانوا ) : كلام مستأنف، جار مجرى التقليل بعد استثناء إبليس من الساجدين، كأن قائلا قال: ما له لم يسجد؟ فقيل: كان من الجن، ففسق عن أمر ربه : والفاء للتسبيب أيضا- جعل كونه من الجن سببا في فسقه; لأنه لو كان ملكا كسائر من سجد لآدم لم يفسق عن أمر الله، لأن الملائكة معصومون البتة، لا يجوز عليهم ما يجوز على الجن والإنس، كما قال: لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون [الأنبياء: 27]، وهذا الكلام المعترض تعمد من الله تعالى لصيانة الملائكة عن وقوع شبهة في عصمتهم، فما أبعد البون بين ما تعمده الله، وبين قول من ضاده وزعم أنه كان ملكا ورئيسا على الملائكة، فعصى، فلعن ومسخ شيطانا، ثم وركه على ، ومعنى: ( فسق عن أمر ربه ) : خرج عما أمره به ربه من السجود، قال [من الرجز]: ابن عباس
فواسقا عن قصدها جوائرا
أو صار فاسقا كافرا بسبب أمر ربه الذي هو قوله: اسجدوا لآدم [البقرة: 34]، أفتتخذونه : الهمزة: للإنكار والتعجيب، كأنه قيل: أعقيب ما وجد منه تتخذونه، وذريته أولياء من دوني : وتستبدلونهم بي، بئس البدل من الله إبليس لمن استبدله، فأطاعه بدل طاعته، ما أشهدتهم ، وقرئ : "ما أشهدناهم"، يعني: أنكم اتخذتموهم شركاء لي في العبادة، وإنما كانوا يكونون شركاء فيها لو كانوا شركاء في الإلهية، فنفي مشاركتهم في الإلهية بقوله: ما أشهدتهم خلق السماوات والأرض : لأعتضد بهم في خلقها، ولا خلق أنفسهم : أي: ولا أشهدت بعضهم خلق بعض كقوله: ولا تقتلوا أنفسكم [النساء: 29]، وما كنت متخذ المضلين بمعنى: وما كنت متخذهم، "عضدا": أي: أعوانا، فوضع المضلين موضع الضمير ذما لهم بالإضلال، فإذا لم يكونوا عضدا لي في الخلق، فما لكم تتخذونهم شركاء لي في العبادة ؟ وقرئ : "وما كنت" بالفتح: الخطاب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والمعنى: وما صح لك الاعتضاد بهم، وما ينبغي لك أن تعتز بهم، وقرأ رضي الله عنه : "وما كنت متخذا المضلين" بالتنوين على الأصل، وقرأ علي "عضدا" بسكون الضاد، ونقل ضمتها إلى العين، وقرئ : "عضدا" بالفتح وسكون [ ص: 593 ] الضاد، و "عضدا" بضمتين، و"عضدا": بفتحتين: جمع عاضد، كخادم وخدم، وراصد ورصد، ومن عضده: إذا قواه وأعانه. الحسن: