قرئ : "يقتروا" بكسر التاء وضمها . و "يقتروا " ، بتخفيف التاء وتشديدها . والقتر والإقتار والتقتير : التضييق الذي هو نقيض الإسراف . والإسراف : مجاوزة الحد في النفقة . ووصفهم بالقصد الذي هو بين الغلو والتقصير . وبمثله أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط [الإسراء : 29 ] ، وقيل : الإسراف إنما هو الإنفاق في المعاصي ، فأما في القرب فلا إسراف . وسمع رجل رجلا يقول : لا خير في الإسراف . فقال : لا إسراف في الخير . وعن -رضي الله عنه- أنه شكر عمر بن عبد العزيز حين زوجه ابنته وأحسن إليه ، فقال : وصلت الرحم وفعلت وصنعت ، وجاء بكلام حسن ، فقال عبد الملك بن مروان ابن لعبد الملك : إنما هو كلام أعده لهذا المقام ، فسكت عبد الملك فلما كان بعد أيام دخل عليه والابن حاضر ، فسأله عن نفقته وأحواله فقال : الحسنة بين السيئتين ، فعرف عبد الملك أنه أراد ما في هذه الآية فقال لابنه : يا بني ، أهذا مما أعده ؟ وقيل : أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، كانوا لا يأكلون طعاما للتنعم واللذة ، ولا يلبسون ثوبا للجمال والزينة ، ولكن كانوا يأكلون ما يسد جوعتهم ويعينهم على عبادة ربهم ، ويلبسون ما يستر عوراتهم ويكنهم من الحر والقر . وقال -رضي الله عنه - : كفى سرفا أن لا يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله ، والقوام : العدل بين الشيئين لاستقامة الطرفين واعتدالهما . ونظير القوام من الاستقامة : السواء من الاستواء . وقرئ : [ ص: 371 ] عمر "قواما " . بالكسر ، وهو ما يقام به الشيء . يقال : أنت قوامنا ، بمعنى ما تقام به الحاجة لا يفضل عنها ولا ينقص ، والمنصوبان أعني بين ذلك قواما : جائز أن يكونا خبرين معا ، وأن يجعل بين ذلك لغوا ، وقواما مستقرا . وأن يكون الظرف خبرا ، وقواما حالا مؤكدة . وأجاز أن يكون الفراء بين ذلك اسم كان ، على أنه مبني لإضافته إلى غير متمكن ، كقوله [من البسيط ] :
لم يمنع الشرب منها غير أن نطقت
وهو من جهة الإعراب لا بأس به ، ولكن المعنى ليس بقوي : لأن ما بين الإسراف والتقتير قوام لا محالة ، فليس في الخبر الذي هو معتمد الفائدة فائدة .