قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن الله قد أهلك من قبله من القرون من هو [ ص: 524 ] أشد منه قوة وأكثر جمعا ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون
على علم أي على استحقاق واستيجاب لما في من العلم الذي فضلت به الناس ، وذلك أنه كان أعلم بني إسرائيل بالتوراة . وقيل : هو علم الكيمياء . عن : كان سعيد بن المسيب موسى عليه السلام يعلم علم الكيمياء ، فأفاد يوشع بن نون ثلثه ، وكالب بن يوفنا ثلثه ، وقارون ثلثه ، فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه فكان يأخذ الرصاص والنحاس فيجعلهما ذهبا . وقيل : علم الله موسى علم الكيمياء ، فعلمه موسى أخته ، فعلمته أخته قارون . وقيل : هو بصره بأنواع التجارة والدهقنة وسائر المكاسب . وقيل : "عندي" معناه : في ظني ، كا تقول الأمر عندي كذا ، كأنه قال : إنما أوتيته على علم ، كقوله تعالى : ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم [الزمر : 49 ] ثم زاد "عندي" أي هو في ظني ورأيي هكذا . يجوز أن يكون إثباتا لعلمه بأن الله قد أهلك من القرون قبله من هو أقوى منه وأغنى ، لأنه قد قرأه في التوراة ، وأخبر به موسى ، وسمعه من حفاظ التواريخ والأيام كأنه قيل : أولم يعلم في جملة ما عنده من العلم هذا ، حتى لا يغتر بكثرة ماله وقوته . ويجوز أن يكون نفيا لعلمه بذلك ؛ لأنه لما قال : أوتيته على علم عندي ، فتنفج بالعلم وتعظم به . قيل : أعنده مثل ذلك العلم الذي ادعاه ورأى نفسه به مستوجبة لكل نعمة ، ولم يعلم هذا العلم النافع حتى يقي به نفسه مصارع الهالكين وأكثر جمعا للمال ، أو أكثر جماعة وعددا . فإن قلت : ما وجه اتصال قوله : ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون بما قبله ؟ قلت : لما ذكر قارون من أهلك من قبله من القرون الذين كانوا أقوى منه وأغنى ، قال على سبيل التهديد له : والله مطلع على ذنوب المجرمين ، لا يحتاج إلى سؤالهم عنها واستعلامهم . وهو قادر على أن يعاقبهم عليها ، كقوله تعالى : والله خبير بما تعملون [التوبة : 16 ] ، والله بما تعملون عليم [البقرة : 283 ] وما أشبه ذلك .