وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا
"وقرن " بكسر القاف ، من قر يقر وقارا . أو من قر يقر ، حذفت الأولى من راءي : أقررن ، ونقلت كسرتها إلى القاف ، كما تقول : ظلن ، وقرن : بفتحها ، وأصله : أقررن ، فحذفت الراء وألقيت فتحتها على ما قبلها ، كقولك : ظلن ، وذكر أبو الفتح الهمداني في كتاب التبيان : وجها آخر ، قال : قار يقار : إذا اجتمع . ومنه : القارة ; لاجتماعها ، ألا ترى إلى قول عضل والديشع : اجتمعوا فكونوا قارة . و الجاهلية الأولى هي القديمة التي [ ص: 67 ] يقال لها الجاهلية الجهلاء ، وهي الزمن الذي ولد فيه إبراهيم عليه السلام : كانت المرأة تلبس الدرع من اللؤلؤ فتمشي وسط الطريق تعرض نفسها على الرجال ، وقيل : ما بين آدم ونوح . وقيل : بين إدريس ونوح . وقيل : زمن داود وسليمان ، والجاهلية الأخرى : ما بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام . ويجوز أن تكون الجاهلية الأولى : جاهلية الكفر قبل الإسلام . والجاهلية الأخرى جاهلية الفسوق والفجور في الإسلام ، فكأن المعنى : ولا تحدثن بالتبرج جاهلية في الإسلام تتشبهن بها بأهل الجاهلية الكفر . ويعضده ما روي : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال -رضي الله عنه - : "إن فيك جاهلية " قال : جاهلية كفر أم إسلام ؟ فقال : "بل جاهلية كفر " لأبي الدرداء . أمرهن أمرا خاصا بالصلاة والزكاة ، ثم جاء به عاما في جميع الطاعات ; لأن هاتين الطاعتين البدنية والمالية هما أصل سائر الطاعات : من اعتنى بهما حق اعتنائه جرتاه إلى ما وراءهما ، ثم بين أنه إنما نهاهن وأمرهن ووعظهن ، لئلا يقارف أهل بيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم - المآثم ، ولتصونوا عنها بالتقوى . واستعار للذنوب : الرجس ، والتقوى : الطهر ; لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوث بها ويتدنس ، كما يتلوث بدنه بالأرجاس . وأما المحسنات ، فالعرض معها نقي مصون كالثوب الطاهر . وفى هذه الاستعارة ما ينفر أولي الألباب عما كرهه الله لعباده ونهاهم عنه ، ويرغبهم فيما رضيه لهم وأمرهم به . و أهل البيت نصب على النداء ، أو على المدح . وفى هذا دليل بين على أن نساء النبي صلى الله عليه وسلم من أهل بيته .