قال ربي يعلم القول في السماء والأرض وهو السميع العليم بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر فليأتنا بآية كما أرسل الأولون
[ ص: 46 ]
( قال ربي يعلم القول في السماء والأرض ) جهرا كان أو سرا فضلا عما أسروا به فهو آكد من قوله ( قل أنزله الذي يعلم السر في السماوات والأرض ) ولذلك اختير ها هنا وليطابق قوله ( وأسروا النجوى ) في المبالغة . وقرأ حمزة والكسائي وحفص ( قال ) بالإخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم . ( وهو السميع العليم ) فلا يخفى عليه ما يسرون ولا ما يضمرون .
( بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه بل هو شاعر ) إضراب لهم عن قولهم هو سحر إلى أنه تخاليط أحلام ثم إلى أنه كلام افتراه ، ثم إلى أنه قول شاعر والظاهر أن ( بل ) الأولى لتمام حكاية والابتداء بأخرى أو للإضراب عن تحاورهم في شأن الرسول صلى الله عليه وسلم وما ظهر عليه من الآيات إلى تقاولهم في أمر القرآن ، والثانية والثالثة لإضرابهم عن كونه أباطيل خيلت إليه وخلطت عليه إلى كونه مفتريات اختلقها من تلقاء نفسه ، ثم إلى أنه كلام شعري يخيل إلى السامع معاني لا حقيقة لها ويرغبه فيها ، ويجوز أن يكون الكل من الله تنزيلا لأقوالهم في درج الفساد لأن كونه شعرا أبعد من كونه مفترى لأنه مشحون بالحقائق والحكم وليس فيه ما يناسب قول الشعراء ، وهو من كونه أحلاما لأنه مشتمل على مغيبات كثيرة طابقت الواقع والمفتري لا يكون كذلك بخلاف الأحلام ، ولأنهم جربوا رسول الله صلى الله عليه وسلم نيفا وأربعين سنة وما سمعوا منه كذبا قط ، وهو أبعد من كونه سحرا لأنه يجانسه من حيث إنهما من الخوارق . ( فليأتنا بآية كما أرسل الأولون ) أي كما أرسل به الأولون مثل اليد البيضاء والعصا وإبراء الأكمه وإحياء الموتى ، وصحة التشبيه من حيث إن الإرسال يتضمن الإتيان بالآية .