ثم إنكم بعد ذلك لميتون ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنا عن الخلق غافلين وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون فأنشأنا لكم به جنات من نخيل وأعناب لكم فيها فواكه كثيرة ومنها تأكلون وشجرة تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبغ للآكلين
"ذلك" إشارة إلى ما ذكر من هذه الأحوال، وقرأ : "لمائتون". [ ص: 286 ] بالألف، و"تبعثون" معناه: من قبوركم أحياء، وهذا خبر بالبعث والنشور، و"الطرائق" كل ما كان طبقات بعضه فوق بعض، ومنه: طارقت نعلي، ويريد بـ"السبع الطرائق" السماوات، ويجوز أن تكون "الطرائق" بمعنى المبسوطات، من: طرقت الشيء، وقوله تعالى: ابن أبي عبلة وما كنا عن الخلق غافلين نفي عام، أي: في إتقان خلقهم وعن مصالحهم وعن أعمالهم.
وقوله تعالى: ماء بقدر ، قال بعض العلماء: أراد المطر، وقال بعضهم: إنما أراد الأنهار الأربعة: سيحان وجيحان والفرات والنيل.
قال القاضي أبو محمد -رحمه الله:
والصواب أن هذا كله داخل تحت الماء الذي أنزله الله تعالى.
وقال : ليس في الأرض ماء إلا وهو من السماء. مجاهد
قال القاضي أبو محمد -رحمه الله:
ويمكن أن يقيد هذا بالعذب، وإلا فالأجاج ثابت في الأرض مع القحط، والعذب يقل مع القحط، وأيضا فالأحاديث تقتضي الماء الذي كان قبل خلق السماوات والأرض، ولا محالة أن الله -تعالى- قد جعل في الأرض ماء وأنزل من السماء ماء.
وقوله تعالى: "بقدر" أي: على مقدار مصلح; لأنه لو كثر أهلك.
و "فأنشأنا" معناه: فأوجدنا وخلقنا، وذكر تعالى "النخيل والأعناب" لأنها ثمرة الحجاز بالطائف والمدينة وغيرهما، قاله ، ولأنهما أيضا أشرف الثمار، فذكره مثالا لا تشريفا لها وتنبيها عليها. الطبري
وقوله تعالى: "لكم فيها" يحتمل أن يعود الضمير على "الجنات" فيريد حينئذ جميع أنواع الفاكهة، ويحتمل أن يعود على "النخيل والأعناب". خاصة إذ فيها مراتب وأنواع، والأول أعم لسائر الثمرات.
وقوله تعالى: "وشجرة" عطف على قوله: "جنات"، ويريد بها الزيتونة، وهي كثيرة في طور سيناء من أرض الشام ، وهو الذي كلم الله -تعالى- فيه موسى -عليه السلام- قاله -رضي الله عنهما- وغيره. و " ابن عباس الطور ": الجبل في كلام العرب ، وقيل: هو مما عرب من كلام العجم، واختلف في " سيناء " فقال : معناه: الحسن، ويلزم [ ص: 287 ] على هذا التأويل أن ينون " قتادة الطور "، وقال : معناه: مبارك، وقال مجاهد عن فرقة: معناه: ذو شجر. معمر
قال القاضي أبو محمد رحمه الله :
ويلزمهم أن ينون " الطور ". وقال الجمهور: هو اسم الجبل، كما تقول: جبل أحد ، و " سيناء " اسم مضاف إليه الجبل.
وقرأ ، نافع ، وأبو عمرو : " وابن كثير سيناء " بكسر السين، وقرأ الباقون -رضي الله عنه-: " وعمر بن الخطاب سيناء " بفتح السين، وكلهم بالمد، فعلى فتح السين لا ينصرف الاسم بوجه، وعلى كسر السين فالهمزة كهمزة حرباء، ولم يصرف في هذه الآية لأنه جعل اسم بقعة أو أرض.
وقرأ الجمهور : "تنبت" بفتح التاء وضم الباء، فالتقدير: تنبت ومعها الدهن، كما تقول: خرج زيد بسلاحه، وقرأ ، ابن كثير : "تنبت" بضم التاء وكسر الباء، واختلف في التقدير على هذه القراءة، فقالت فرقة: الباء زائدة، وهكذا قوله تعالى: وأبو عمرو ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة ، وهذا المثال عندي معترض وإن كان قد ذكره، وكقول الشاعر: أبو علي
نحن بنو جعدة أرباب الفلج نضرب بالبيض ونرجو بالفرج
ونحو هذا، وقالت فرقة: التقدير: تنبت جناها ومعه الدهن، فالمفعول محذوف، قاله أيضا، وقد قيل: نبت وأنبت بمعنى، فيكون الفعل كما مضى في قراءة الجمهور، أبو علي الفارسي ينكر أنبت ويتهم قصيدة والأصمعي زهير التي فيها: [ ص: 288 ] . . . .. . .. . .. . . . . . . . . . أنبت البقل
وقرأت فرقة: "وصبغ"، وقرأت فرقة: "وأصباغ" بالجمع، وقرأ عامر بن عبد قيس : "ومتاعا للآكلين".