[ ص: 36 ] قوله عز وجل:
الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفا وشيبة يخلق ما يشاء وهو العليم القدير ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة كذلك كانوا يؤفكون وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث فهذا يوم البعث ولكنكم كنتم لا تعلمون
وهذه أيضا آية بين فيها أن الأوثان لا مدخل لها في هذا الأمر. وقرأ جمهور القراء والناس بضم الضاد في "ضعف"، وقرأ ، عاصم بفتحها، وهي قراءة وحمزة ابن مسعود ، والضم أصوب، وروي وأبي رجاء عن رضي الله عنهما أنه قرأ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفتح فردها عليه بالضم، ابن عمر وقال كثير من اللغويين: ضم الضاد في البدن وفتحها في العقل، وروي عن عبد الرحمن ، والجحدري، أنهم ضموا الضاد في الأول والثاني، وفتحوا "ضعفا"، وقرأ والضحاك : "من ضعف" بضمتين، وهذه الآية إنما يراد بها حال الجسم، والضعف الأول هو كون الإنسان من ماء مهين، والقوة بعد ذلك الشبيبة وشدة الأمر، والضعف الثاني الهرم والشح، هذا قول عيسى بن عمر وغيره. قتادة
[ ص: 37 ] ثم أخبر تعالى عن يوم القيامة أن المجرمين يقسمون لجاجا منهم ونشوزا على ما لا علم لهم به; أنهم ما لبثوا تحت التراب غير ساعة، وهذا إتباع لتخيلهم الفاسد، ونظرهم في ذلك الوقت على نحو ما كانوا في الدنيا يتبعون، فيؤفكون عن الحق، أي: يصرفون.
وقيل: المعنى: ما لبثوا في الدنيا، كأنهم استقلوها لما عاينوا من أمر الآخرة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا يضعفه قوله تعالى: كذلك كانوا يؤفكون ; إذ لو أراد تقليل الدنيا بالإضافة إلى الآخرة لكان منزعا شديدا، وكان قولهم: "غير ساعة" تجوزا، أي: في القدر والموازنة.
ثم أخبر تعالى عن الذين أوتوا العلم والإيمان أنهم يقفون في تلك الحال على الحق، ويعرفون أنه الوعد المتقرر في الدنيا. وقال بعض المفسرين: إنما أراد: "أوتوا الإيمان والعلم"، ففي الكلام تقديم وتأخير.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولا يحتاج إلى هذا، بل ذكر العلم يتضمن الإيمان، ولا يصف الله بعلم من لم يعلم كل ما يوجب الإيمان، ثم ذكر الإيمان بعد ذلك تنبيها عليه وتشريفا لأمره، كما قال: فاكهة ونخل ورمان ، فنبه تبارك وتعالى على مكان الإيمان وخصه تشريفا.