فيومئذ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل ولئن جئتهم بآية ليقولن الذين كفروا إن أنتم إلا مبطلون كذلك يطبع الله على قلوب الذين لا يعلمون فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون
هذا إخبار عن هول يوم القيامة وشدة أحواله على الكفرة; في أنهم لا ينفعهم الاعتذار، ولا يعطون عتبى، وهي الرضى، و"يستعتبون" بمعنى: يعتبون، كما تقول: يملك ويستملك، والباب في "استفعل" أنه طلب الشيء، وليس هذا منه; لأن المعنى كان يفسد إذا كان المفهوم منه: ولا يطلب منهم عتبى.
وقرأ ، عاصم : "ينفع" بالياء، كما قال تعالى: والأعمش فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى ، وحسن هذا أيضا بالتفرقة التي بين الفعل وما أسند إليه، كما قال الشاعر:
وهل يرجع التسليم أو يكشف العمى ... ثلاث الأثافي والديار البلاقع؟
ثم أخبر تعالى عن قسوة قلوبهم، وعجرفة طباعهم، في أنه ضرب لهم كل مثل، وبين عليهم بيان الحق، ثم هم مع ذلك عند الآية والمعجزة يكفرون ويلجون ويعمهون في كفرهم، ويصفون أهل الحق بالأباطيل. ثم أخبر تعالى أن هذا إنما هو من طبعه وختمه على قلوب الجهلة الذين قد حتم عليهم الكفر في الأزل، وذهب إلى [ ص: 39 ] أنه من قولهم: "طبع السيف"، أي: صدئ أشد صدأ. أبو عبيدة
ثم أمر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر، وقوى نفسه لتحقيق الوعد، ونهاه عن الاهتزاز لكلامهم، أو التحرك واضطراب النفس لأقوالهم; إذ هم لا يقين لهم ولا بصيرة.
وقرأ ابن أبي إسحاق ، "يستحقنك" بحاء غير معجمة وقاف، من الاستحقاق، والجمهور على الخاء المعجمة والفاء، من الاستخفاف، إلا أن ابن ويعقوب: أبي إسحاق ويعقوب سكنا النون من "يستخفنك". وروي أن رضي الله عنه كان في صلاة الفجر، فناداه رجل من علي بن أبي طالب الخوارج بأعلى صوته فقرأ هذه الآية: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين ، فعلم مقصده في هذا، وتعريضه به، فأجابه وهو في الصلاة بهذه الآية: علي رضي الله عنه فاصبر إن وعد الله حق ولا يستخفنك الذين لا يوقنون .
كمل تفسير سورة الروم والحمد لله رب العالمين
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم