[ ص: 40 ] بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة لقمان
هذه السورة مكية غير آيتين، قال : أولهما قتادة ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام .
قوله عز وجل:
الم تلك آيات الكتاب الحكيم هدى ورحمة للمحسنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم يوقنون أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين
تقدم القول في الحروف التي في أوائل السور، وفي ترتيب "تلك" مع كل قول منها. و"الحكيم" يصح أن يكون من الحكمة، ويصح أن يكون من الحكم. وقرأ جمهور القراء: "هدى ورحمة" بالنصب على الحال من المبهم، ولا يصح أن تكون من "الكتاب"; لأنه مضاف إليه، وقرأ ، حمزة بالرفع على تقدير: هو هدى، وخصصه للمحسنين من حيث لهم نفعه، وهم نظروه بعين الحقيقة، وإلا فهو هدى في نفسه، وفي قراءة والكسائي : "هدى وبشرى للمؤمنين". ابن مسعود
ثم وبكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وعندهم إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة، ومن صفتهم ما وصف تعالى المحسنين بأنهم الذين عندهم اليقين بالبعث جبريل عليه السلام عن الإحسان، قال: "أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك" الحديث. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سأله
[ ص: 41 ] وقوله تعالى: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ، روي أنها نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبه، فنزلت الآية في ذلك، وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "شراء المغنيات وبيعهن حرام"، وقرأ هذه الآية، أبي أمامة الباهلي وقال: "في هذا المعنى أنزلت علي هذه الآية"، وبهذا فسر عن ، ابن مسعود ، وابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، وقال ومجاهد لهو الحديث: المعازف والغناء. الحسن:
وقال بعض الناس: نزلت في النضر بن الحارث لأنه اشترى كتب رستم واسفنديار، وكان يخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فيحدثهم بتلك الأباطيل، ويقول: أنا أحسن حديثا من محمد، وقال : الشراء في هذه الآية مستعار، وإنما نزلت في أحاديث قريش، وتلهيهم بأمر الإسلام، وخوضهم في الأباطيل. قتادة
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فكأن ترك ما يجب فعله، وامتثال هذه المنكرات شراء لها، على حد قوله تعالى: أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى . وقد قال : شراء لهو الحديث [ ص: 42 ] استحبابه، قال مطرف : ولعله لا ينفق فيه مالا، ولكن سماعه هو شراؤه، وقال قتادة : لهو الحديث الشرك، وقال الضحاك أيضا: لهو الحديث الطبل، وهذا ضرب من الغناء. مجاهد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والذي يترجح أن الآية نزلت في لهو حديث مضاف إلى كفر، فلذلك اشتدت ألفاظ الآية بقوله: ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزوا والتوعد بالعذاب المهين. وأما لفظة الشراء فمحتملة للحقيقة والمجاز على ما بينا، و"لهو الحديث" كل ما يلهي من غناء وخنا ونحوه، والآية باقية المعنى في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، ولكن ليس ليضلوا عن سبيل الله بكفر، ولا ليتخذوا الآيات هزوا، ولا عليهم هذا الوعيد، بل ليعطل عبادة، ويقطعهم زمنا بمكروه، ولكونهم من جملة العصاة، والنفوس الناقصة تروم تتميم ذلك النقص بالأحاديث، وقد جعلوا الحديث من القرى، وقيل لبعضهم: أتمل الحديث؟ فقال: إنما يمل العتيق القديم المعاد; لأن الحديث من الأحاديث فيه الطرافة التي تمنع من الملل.
وقرأ ، نافع ، وعاصم : "ليضل" بضم الياء، وقرأ والحسن ، ابن كثير بفتحها، وفي حرف وأبو عمرو "ليضل الناس عن سبيل الله". وقرأ أبي: ، حمزة ، والكسائي وحفص عن : "ويتخذها" بالنصب عطفا على "ليضل"، وقرأ الباقون: عاصم "ويتخذها" بالرفع عطفا على "يشتري".
والضمير في "ويتخذها" يحتمل أن يعود على "الكتاب الحكيم" المذكور أولا، ويحتمل أن يعود على "السبيل"، ويحتمل أن يعود على "الأحاديث"; لأن "الحديث" اسم جنس بمعنى الأحاديث، وكذلك "سبيل الله" اسم جنس، ولكل وجه من الحديث وجه يليق به من السبيل.