تفسير سورة ص
هذه السورة مكية بإجماع من المفسرين.
قوله عز وجل:
ص والقرآن ذي الذكر بل الذين كفروا في عزة وشقاق كم أهلكنا من قبلهم من قرن فنادوا ولات حين مناص وعجبوا أن جاءهم منذر منهم وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل الآلهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب
قرأ الحسن، ، وأبي بن كعب وابن أبي إسحق: "صاد" بكسر الدال، على أنه أمر من: صادى يصادي إذا ضاهى وماثل، أي صار كالصدى الذي يحكي الصياح، والمعنى: ماثل القرآن بعملك، وقارنه بطاعتك، وهكذا فسر أي: انظر أين عملك منه؟ الحسن،
وقال الجمهور: إنه حرف المعجم المعروف، ويدخله ما يدخل سائر أوائل السور من الأقوال، ويختص هذا الموضع بأن قال بعض الناس: معناه: صدق محمد صلى الله عليه وسلم، وقال : معناه: صدق الله، وقال الضحاك مجاهد بن كعب القرظي : هو مفتاح أسماء الله "صمد ، صادق الوعد، صانع المصنوعات".
وقرأها الجمهور بسكون الدال، وقرأ ابن أبي إسحق - بخلاف عنه - بكسر الدال وتنوينها [صاد]، على القسم، كما تقول: الله لأفعلن، وحكى وغيره عن ابن [ ص: 320 ] الطبري أبي إسحاق : بدون تنوين، وألحقه بقول العرب: حاث باث، وخاز باز، وقرأ فرقة منها : [صاد] بفتح الدال، وكذلك يفعل في نطقه بكل الحروف، يقول: قاف، ونون، ويجعلها كأين وليت، قال عيسى بن عمر : "وقيل معناه: صاد محمد القلوب، بأن استمالها للإيمان". الثعلبي
وقوله تعالى: ص والقرآن ذي الذكر قسم، وقال ، السدي ، وابن عباس : معناه: ذي الشرف الباقي المخلد، وقال وسعيد بن جبير ، قتادة : ذي التذكرة للناس والهداية لهم، وقالت فرقة: معناه: ذي الذكر للأمم والقصص والغيوب. وأما جواب القسم فاختلف فيه، فقالت فرقة: الجواب في قوله: "ص" ; إذ هو بمعنى: صدق والضحاك محمد، أو صدق الله، وقال الكوفيون : الجواب قوله تعالى: والزجاج إن ذلك لحق تخاصم أهل النار ، وقال بعض البصريين - ومنهم -: الجواب في قوله: الأخفش إن كل إلا كذب الرسل .
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذان القولان بعيدان.
وقال ، قتادة : الجواب مقدر قبل "بل"، وهذا هو الصحيح، تقديره: "والقرآن ما الأمر كما يزعمون"، ونحو هذا من التقدير، فتأمله. وحكى والطبري عن [ ص: 321 ] قوم أن الجواب قوله تعالى: الزجاج كم أهلكنا من قبلهم من قرن وهذا متكلف جدا.
و"العزة" هنا: المعازة والمغالبة. و"الشقاق" نحوه، أي: هم في شق، والحق في شق.
و"كم" للتكثير، وهي خبر فيه مثال ووعيد، وهي في موضع نصب بـ"أهلكنا"، و"القرن": الأمة من الناس يجمعها زمن واحد، وقد تقدم تحريره مرارا، وقوله تعالى: "فنادوا" معناه: مستغيثين، والمعنى أنهم فعلوا ذلك بعد المعاينة فلم ينفع ذلك، ولم يكن في وقت نفع، "ولات" بمعنى: ليس، واسمها مقدر عند ، تقديره: ولات الحين حين مناص، وهي "لا" لحقتها تاء، كما لحقت "ربت وثمت"، قال سيبويه : وهي كتاء جلست وقامت، تاء الحروف كتاء الأفعال دخلت على ما لا يعرب في الوجهين، ولا تستعمل (لا) مع التاء إلا في الحين والزمان والوقت ونحوه، فمن ذلك قول الشاعر: الزجاج
ولات ساعة مندم
وقال الآخر:
تذكر حب ليلى لات حينا ... وأضحى الشيب قد قطع القرينا
[ ص: 322 ] وأنشد بعضهم:
طلبوا صلحنا ولات أوان ... فأجبنا أن ليس حين بقاء
وأنشد بكسر التاء، وهذا كثير، وقراءة الجمهور فتح التاء من "لات" والنون من "حين"، وروي عن الزجاج كسر التاء من "لات" ونصب النون من "حين"، وروي عنه أيضا كسر النون منها. عيسى
واختلفوا في الوقف على "لات"، فذكر أن الوقف بالتاء، ووقف الزجاج بالهاء، ووقف قوم - واختاره الكسائي - على لا وجعلوا التاء موصولة بحين، فقالوا، "لا تحين"، وذكر أبو عبيد أنها كذلك في مصحف أبو عبيد ، ويحتج لهذا بقول عثمان أبي وجزة:
العاطفون تحين ما من عاطف ... والمطعمون زمان ما من مطعم
[ ص: 323 ] يمدح آل . وقرأ بعض الناس: "لات حين" برفع النون من: حين على إضمار الخبر. الزبير
و"المناص": المفر، ناص ينوص، إذا فات وفر، قال رضي الله عنهما: المعنى: ليس بحين نزو ولا فرار، ضبط القوم . ابن عباس
والضمير في "وعجبوا" لكفار قريش، واستغربوا أن نبئ بشر منهم فأنذرهم وحذرهم، وأن وحد الإله، وقالوا: كيف يكون إله واحد يرزق الجميع وينظر في كل أمرهم؟
[ ص: 324 ] و"عجاب" بناء مبالغة، كما قالوا: سريع وسراع، وهذا كثير، وقرأ ، أبو عبد الرحمن السلمي : "عجاب" بشد الجيم، ونحوه قول الراجز: وعيسى بن عمر
جاؤوا بصيد عجب من العجب ... أزيرق العينين طوال الذنب
وقد قالوا: رجل كرام، أي كريم.