ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون
"البينات" التي جاء بها عيسى عليه السلام هي: إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص، إلى غير ذلك، وقال : الإنجيل. والحكمة: النبوة، قاله قتادة وغيره. السدي
[ ص: 560 ] وقوله تعالى: ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه قال : "بعض" بمعنى "كل"، وهذا ضعيف ترده اللغة، ولا حجة له من قول أبو عبيدة لبيد :
....................... ... أو يعتلق بعض النفوس حمامها
لأنه أراد نفسه ونفس من معه، وذلك بعض النفوس، وإنما المعنى الذي ذهب إليه الجمهور أن الاختلاف بين الناس هو في أمور كثيرة لا تحصى عددا، منها أمور أخروية ودينية، ومنها ما لا مدخل له في الدين، فكل نبي إنما يبعث ليبين أمر الأديان والآخرة، فذلك بعض ما يختلف فيه، وقوله تعالى: هذا صراط مستقيم حكاية عن عيسى إذ أشار إلى شرعه.
و"الأحزاب" المذكورون: قال جمهور المفسرين: أراد تعالى: اختلف بنو إسرائيل وتحزبوا، فمنهم من آمن به، وهو قليل، وكفر الغير، وهذا إذا كان معهم حاضرا، وقال : الأحزاب هم الأربعة الذين كان لهم الرأي والمناظرة صرفت إليهم في أمر قتادة عيسى عليه السلام. وقال وغيره: الأحزاب: النصارى، افترقت مذاهبهم فيه بعد رفعه عليه السلام، فقالت فرقة: هو الله، وهم اليعقوبية، قال الله عز وجل عنهم: ابن حبيب لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم . وقالت [ ص: 561 ] فرقة: هو ابن الله، وهم النسطورية، قال الله تعالى فيهم: وقالت النصارى المسيح ابن الله ، وقالت فرقة: هو ثالث ثلاثة، وهم الملكانية، قال الله تعالى فيهم: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ، وقوله تعالى: من بينهم بمعنى: من تلقائهم ومن أنفسهم ثار شرهم، ولم يدخل عليهم الاختلاف من غيرهم.
والضمير في: "ينظرون" لقريش، والمعنى: ينتظرون، و "بغتة": معناه: فجأة دون مقدمة ولا إنذار بها، ثم وصف تعالى بعض حال القيامة، وإنها -لهول مطلعها والخوف المطيف بالناس فيها- يتعادى ويتباغض كل خليل كان في الدنيا على غير تقى، لأنه يرى أن الضرر دخل عليه من قبل خليله، وأما المتقون فيرون أن النفع دخل بهم من بعضهم على بعض، هذا معنى كلام علي رضي الله عنهم. وابن عباس
وقوله تعالى: "يا عباد" المعنى: يقال لهم، أي: للمتقين، وقرأ في رواية عاصم : "يا عبادي" بفتح الياء، وهذا هو الأصل، وقرأ أبي بكر ، نافع ، وأبو عمرو : "يا عبادي" بسكون الياء، وقرأ وابن عامر ، ابن كثير ، وحمزة ، والكسائي وحفص عن "يا عباد" بحذف الياء، قال عاصم : وحذفها أحسن، لأنها في موضع تنوين وهي قد عاقبته، فكما يحذف التنوين في الاسم المنادى المفرد، كذلك تحذف الياء هنا لسكونها على حرف كما أن التنوين كذلك، ولأنها لا تنفصل عن المضاف كما لا ينفصل التنوين من المنون، وذكر أبو علي عن الطبري المعتمر، عن أبيه أنه قال: سمعت أن الناس حين يبعثون ليس منهم أحد إلا فزع، فينادي مناد: يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون ، فيرجوها الناس كلهم، قال: ويتبعها: الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين ، قال: فييأس منها جميع الكفار.
وقرأ الحسن، ، والزهري وابن أبي إسحاق ، ، وعيسى بن عمر "لا خوف" بنصب الفاء من غير تنوين، وقرأ ويعقوب: ابن محيصن: "لا خوف" برفع الفاء من غير تنوين.