مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام فبأي آلاء ربكما تكذبان كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام فبأي آلاء ربكما تكذبان
[ ص: 166 ] "مرج البحرين" معناه: أرسلهما إرسالا غير منحاز بعضهما من بعض، ومنه: مرجت الدابة، ومنه: الأمر المريج، أي: المختلط الذي لم يتحصل منه شيء، ومنه من مارج من نار . واختلف الناس في البحرين - فقال الحسن، : وقتادة بحر فارس وبحر الروم، وقال أيضا: الحسن بحر القلزم واليمن وبحر الشام، وقال ، ابن عباس : بحر في السماء وبحر في الأرض، وقال وابن جبير رضي الله عنهما أيضا هو مطر السماء -سماه بحرا- وبحر الأرض، والظاهر عندي أن قوله تعالى: ابن عباس مرج البحرين يريد بهما نوعي الماء العذب والأجاج، أي: خلطهما في الأرض وأرسلهما متداخلين في وضعهما في الأرض قريب بعضهما من بعض، والعبرة في هذا التأويل منيرة، وأنشد : منذر بن سعيد
وممزوجة الأمواه لا العذب غالب على الملح طيبا لا ولا الملح يعذب
أما قوله تعالى: "يلتقيان" فعلى التأويلين الأولين معناهما: معدان للالتقاء وحقهما أن يلتقيا لولا البرزخ، وعلى القول الثالث أنهما يلتقيان كل سنة مرة، فمن ذهب إلى أنه بحر يجتمع في السماء فهو قول ضعيف، وإنما يتوجه اللقاء فيه وفي القول الرابع بنزول المطر، وفي القول الخامس بالأنهار في البحر وبالعيون قرب البحر.
و"البرزخ": الحاجز في كل شيء، فهو في بعض هذه الأقوال أجرام الأرض، قاله ، وفي بعضها القدرة، والبرزخ أيضا المدة التي بين الدنيا والآخرة للموتى، فهو حاجز، وقال بعض الناس: إن ماء الأنهار لا يختلط بالماء الملح بل هو بذاته باق فيه، وهذا يحتاج إلى دليل أو حديث صحيح وإلا فالعيان لا يقتضيه، وذكر قتادة في "مرج البحرين" ألغازا وأقوالا باطنة لا يجب أن يلتفت إلى شيء منها. الثعلبي
واختلف الناس في قوله تعالى: "لا يبغيان" - فقال ، ابن عباس ، ومجاهد : معناه: لا يبغي واحد منهما على الآخر، وقال وقتادة أيضا قتادة : لا يبغيان على الناس والعمران، وهذان القولان على أن اللفظ من البغي، وقال بعض المتأولين: هي من قولك: بغي إذا طلب، فمعناه: لا يبغيان حالا من الأحوال غير حاليهما اللتين خلقا وسخرا لهما. وقال [ ص: 167 ] والحسن ، ابن عباس ، وقتادة : اللؤلؤ: كبار الجوهر والمرجان: صغاره، وقال والضحاك رضي الله عنهما أيضا، ابن عباس ومرة الهمداني عكس هذا، والوصف بالصغر هو الصواب في اللؤلؤ، وقال رضي الله عنه وغيره: المرجان حجر أحمر، وهذا هو الصواب في المرجان، واللؤلؤ بناء غريب لا يحفظ منه في كلام ابن مسعود العرب أكثر من خمسة: اللؤلؤ، والجؤجؤ، والدؤدؤ، واليؤيؤ -وهو طائر والبؤبؤ، وهو الأصل.
واختلف الناس في قوله تعالى: "منهما" - فقال في كتاب "الحجة": وزعم قوم أنه قد يخرج اللؤلؤ والمرجان من الملح ومن العذب، ورد الناس على الشاعر في قوله: أبو الحسن الأخفش
فجاء بها ما شئت من لطمية على وجهها ماء الفرات يموج
[ ص: 168 ] وقال جمهور من المتأولين: إنما يخرج ذلك من الأجاج في المواضع التي تقع فيها الأنهار والمياه العذبة، فلذلك قال تعالى: "منهما"، وهذا مشهور عند الغواصين، وقال ، ابن عباس : إنما تتكون هذه الأشياء في البحر بنزول المطر لأن الصدف وغيرها تفتح أجوافها للمطر، فلذلك قال تعالى: "منهما"، وقال وعكرمة ما معناه: إن خروج هذه الأشياء إنما هي من الملح لكنه تعالى قال: "منهما" تجوزا، كما قال الشاعر: أبو عبيدة
. . . . . . . . . . . . . . متقلدا سيفا ورمحا
وكما قال الآخر:
. . . . . . . . . . . علفتها تبنا وماء باردا
[ ص: 169 ] فمن حيث هما نوع واحد فخروج هذه الأشياء إنما هي منهما وإن كانت تختص عند التفصيل المبالغ بأحدهما، وهذا كما قال تعالى: سبع سماوات طباقا وجعل القمر فيهن نورا ، وإنما هو في إحداهن وهي الدنيا إلى الأرض، وقال : العذب فيهما كاللقاح للملح، فهو كما يقال: الولد يخرج من الذكر والأنثى. وقرأ الرماني ، نافع ، وأهل وأبو عمرو المدينة: "يخرج" بضم الياء وفتح الراء "اللؤلؤ" رفعا. وقرأ ابن كثر، ، وعاصم ، وابن عامر ، وحمزة : "يخرج" بفتح الياء وضم الراء على بناء الفعل للفاعل، وهي قراءة والكسائي الحسن، . وقرأ وأبي جعفر - في رواية أبو عمرو حسين الجعفي عنه:- "يخرج" بضم الياء وكسر الراء على إسناده إلى الله تعالى، أي: بتمكينه وقدرته "اللؤلؤ" نصبا، ورواها أيضا بالنون مضمومة وكسر الراء.
و"الجوار" جمع جارية، وهي السفن، وقرأ الحسن، : "الجواري" بإثبات الياء، وقرأ والنخعي ، أبو جعفر وشيبة بحذفها، وقرأ ابن كثر، ، ونافع ، وأبو عمرو ، وابن عامر : "المنشآت" بفتح الشين، أي: أنشأها الله تعالى أو الناس، وقرأ والكسائي ، حمزة وأبو بكر بخلاف عنه-: "المنشئات" بكسر الشين، أي: تنشئ هي السير إقبالا وإدبارا، و "الأعلام" الجبال وما جرى مجراها من الظراب والآكام، وقال : ما له شراع فهو من المنشآت وما لم يرفع له شراع فليس من المنشآت. مجاهد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
قوله تعالى: "كالأعلام" هو الذي يقتضي هذا الفرق، وأما لفظة "المنشآت" فتعم الكبير والصغير.
والضمير في قوله تعالى: كل من عليها فان للأرض، وكنى تعالى عنها ولم يتقدم لها [ ص: 170 ] ذكر لوضوح المعنى، كما قال تعالى: حتى توارت بالحجاب إلى غير ذلك من الشواهد، فغلبت عبارة من يعقل فلذلك قال: "من". والإشارة بالفناء إلى جميع الموجودات على الأرض من حيوان وغيره،
و"الوجه" عبارة عن الذات لأن الجارحة منفية في حق الله تعالى، وهذا كما تقول: هذا وجه القول والأمر، أي: حقيقته وذاته، وقرأ جمهور الناس: "ذو الجلال" على صفة لفظة الوجه، وقرأ ، عبد الله بن مسعود رضي الله عنهما: "ذي الجلال" على صفة الرب تبارك وتعالى. وأبي