قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا
المعنى: فلما لم يطيعوا ويئس نوح عليه السلام من إيمانهم قال نوح: رب إنهم عصوني واتبعوا أشرافهم وغواتهم، فعبر عنهم بأن أموالهم وأولادهم زادتهم خسارا، أي خسرانا.
وقرأ ، ابن كثير ، وأبو عمرو ، وحمزة ، والكسائي - في رواية ونافع خارجة عنه-: "وولده" بضم الواو وسكون اللام، وهي قراءة ، ابن الزبير ، والحسن ، والأعرج ، والنخعي . وقرأ ومجاهد ، نافع ، وعاصم : "وولده" بفتح الواو واللام وهما بمعنى واحد كبخل وبخل، وهي قراءة وابن عامر أبي عبد الرحمن ، ، والحسن ، وأبي رجاء ، وابن وثاب ، وأبي جعفر وشيبة ، وقرأ: "وولده" بكسر الواو والجحدري، ، وزر ، والحسن وابن أبي إسحاق ، ، قال وطلحة : "ولد" بضم الواو وسكون اللام: العشيرة والقوم، وقال أبو عمرو : يمكن أن يكون "الولد" بضم الواو جمع "الولد" وذلك كخشب وخشب، وقد قال أبو حاتم : حسان بن ثابت
[ ص: 421 ]
يا بكر آمنة المبارك ذكرها ... من ولد محصنة بسعد الأسعد
وقرأ جمهور الناس: "كبارا" بشد الباء وهو بناء مبالغة نحو ، قال حسان هي لغة يمانية، وعليها قول الشاعر: عيسى:
والمرء يلحقه بفتيان الندى ... خلق الكريم وليس بالوضاء
بضم الواو، وقرأ ابن محيصن، وعيسى : "كبارا" بتخفيف الباء، وهو بناء مبالغة إلا أنه دون الأول، وقرأ ابن عمر ابن محيصن، فيما روى عنه أبو الأخريط وهب بن واضح-: "كبارا" بكسر الكاف، قال : هو جمع كبير، فكأنه جعل "مكر" مكان ذنوب وأفاعيل ونحوه. ابن الأنباري
وقوله تعالى: وقالوا لا تذرن آلهتكم إخبار عن تواصيهم بأصنامهم على العموم، وما كان منها مشهور المكانة، وما كان منها يختص بواحد من الناس، ثم أخذوا ينصون على المشهور من الأصنام، وهذه الأصنام روي أنها أسماء رجال صالحين كانوا في صدر الدنيا، فلما ماتوا صورهم أهل ذلك العصر من حجر وقالوا: ننظر إليها فنذكر أفعالهم، فهلك ذلك الجيل وكثر تعظيم الآخر لتلك الحجارة ثم كذلك حتى عبدت ثم انتقلت تلك الأصنام بأعيانها -وقيل: بل الأسماء فقط- إلى قبائل من العرب، فكانت "ود" في كلب بدومة الجندل، وكانت "سواع" في هذيل، وكانت "يغوث" في مراد، وكانت "يعوق" في همذان، وكانت "نسر" في ذي الكلاع من حمير.
[ ص: 422 ] وقرأ وحده -ورويت عن نافع -: "واد" بضم الواو، وقرأ الباقون، عاصم ، والأعمش ، والحسن ، وطلحة وشيبة ، -بخلاف عن الثلاثة-: "ودا" بفتح الواو، قال الشاعر: وأبو جعفر
حياك ود فإنا لا يحل لنا ... لهو النساء وإن الدين قد عزما
فيقال: إنه أراد بذلك الصنم، ويروى بضم الواو وفتحها.
وقرأ : "ولا يغوثا ويعوقا" بالصرف، وذلك وهم لأن التعريف لازم ووزن الفعل. وقوله: الأعمش وقد أضلوا كثيرا هو إخبار نوح عليه السلام عنهم، وهو منقطع مما حكاه عنهم، والمعنى: قد أضل هؤلاء القائلون كثيرا من الناس والأتباع والعوام، ثم دعا عليهم إلى الله تعالى بألا يزيدهم إلا ضلالا، وذكر الظالمين لتعم الدعوة كل من جرى مجراهم. وقال -في كتاب الحسن -: أراد بقوله: "وقد أضلوا" الأصنام المذكورة، وعبر عنها بضمير من يعقل من حيث يعاملها جمهور أهلها معاملة من يعقل ويسند إليها أفعال العقل. النقاش
وقوله تعالى: "مما خطيئاتهم" ابتداء إخبار من الله تعالى لمحمد صلى الله عليه وسلم، أي أن دعوة نوح عليه السلام أجيبت فآل أمرهم إلى هذا، و"ما" في قوله تعالى: "مما" زائدة، فكأنه تعالى قال: من خطيئاتهم أغرقوا، وهي لابتداء الغاية، وقرأ "مما خطيئتهم" على الإفراد الجحدري ، وقرأ والحسن وحده، أبو عمرو ، والحسن ، وعيسى ، والأعرج -بخلاف عنهم-: "مما خطاياهم" على تكسير الجمع، وقوله تعالى: وقتادة فأدخلوا نارا يعني جهنم، وعبر عن ذلك بفعل المضي من حيث الأمر متحقق، وقيل: أراد عرضهم على النار غدوا وعشيا عبر عنهم بالإدخال، وقوله تعالى: "فلم يجدوا" أي: لم يجد المغرقون أحدا سوى الله تعالى ينصرهم ويصرف عنهم بأس الله .