زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة والخيل المسومة والأنعام والحرث ذلك متاع الحياة الدنيا والله عنده حسن المآب
قرأ جمهور الناس: "زين" على بناء الفعل للمفعول ورفع "حب" على أنه مفعول لم يسم فاعله، وقرأ الضحاك "زين" على بناء الفعل للفاعل ونصب "حب" على أنه المفعول، واختلف الناس من المزين؟ فقالت فرقة: الله زين ذلك، وهو ظاهر قول ومجاهد رضي الله عنه لأنه قال: لما نزلت هذه الآية: قلت: الآن يا رب حين زينتها لنا، فنزلت: عمر بن الخطاب قل أأنبئكم بخير من ذلكم ، وقالت فرقة: المزين هو الشيطان، وهذا ظاهر قول فإنه قال: من زينها؟ ما أحد أشد لها ذما من خالقها. الحسن بن أبي الحسن،
[ ص: 171 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإذا قيل: زين الله، فمعناه بالإيجاد والتهيئة لانتفاع وإنشاء الجبلة على الميل إلى هذه الأشياء. وإذا قيل: زين الشيطان فمعناه: بالوسوسة والخديعة وتحسين أخذها من غير وجوهها. والآية تحتمل هذه النوعين من التزيين، ولا يختلف مع هذا النظر. وهذه الآية على كلا الوجهين ابتداء وعظ لجميع الناس، وفي ضمن ذلك توبيخ لمعاصري محمد صلى الله عليه وسلم من اليهود وغيرهم، والشهوات ذميمة، واتباعها مرد وطاعتها مهلكة، وقد قال عليه السلام: فحسبك أن النار حفت بها، فمن واقعها خلص إلى النار. "حفت النار بالشهوات وحفت الجنة بالمكاره"
واختلف الناس في تحرير حده كم هو؟ فروى و "القناطير" جمع قنطار، وهو العقدة الكبيرة من المال. عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: أبي بن كعب، "القنطار ألف ومائتا أوقية"، وقال بذلك معاذ بن جبل وعبد الله بن عمر وأبو هريرة وعاصم بن أبي النجود وجماعة من العلماء، وهو أصح الأقوال. لكن القنطار على هذا يختلف باختلاف البلاد في قدر الأوقية. وقال ابن عباس والضحاك بن مزاحم القنطار: ألف ومائتا مثقال. وروى والحسن بن أبي الحسن: ذلك مرفوعا عن النبي عليه السلام. قال الحسن وهو من الفضة ألف ومائتا مثقال، وروي عن الضحاك: أنه قال: القنطار من الفضة اثنا عشر ألف درهم، ومن الذهب ألف دينار، وروي ذلك عن ابن عباس الحسن وقال والضحاك. القنطار ثمانون ألفا. وقال سعيد بن المسيب: القنطار [ ص: 172 ] مائة رطل من الذهب أو ثمانون ألف درهم من الفضة. وقال قتادة: القنطار ثمانية آلاف مثقال وهي مائة رطل. وقال السدي: القنطار سبعون ألف دينار، وروي ذلك عن مجاهد: وقال ابن عمر. أبو نضرة: القنطار ملء مسك ثور ذهبا. قال هكذا هو بالسريانية. وقال ابن سيده: القنطار المال الكثير بعضه على بعض. وحكى الربيع بن أنس: عن النقاش أن القنطار بلغة ابن الكلبي: الروم ملء مسك ثور ذهبا. وقال القناطير ثلاثة، والمقنطرة تسعة لأنه جمع الجمع، وهذا ضعف نظر وكلام غير صحيح، وقد حكى النقاش: نحوه عن مكي أنه قال: لا تكون المقنطرة أقل من تسعة، وحكى ابن كيسان المهدوي عنه وعن لا تكون المقنطرة أكثر من تسعة.. وهذا كله تحكم. قال الفراء: القنطار اثنا عشر ألف أوقية. وحكى أبو هريرة: قولا إن القنطار أربعون أوقية ذهبا أو فضة، وقاله مكي في المحكم، وقال: القنطار بلغة بربر ألف مثقال. وروى ابن سيده أنس بن مالك عن النبي عليه الصلاة والسلام في تفسير قوله تعالى: وآتيتم إحداهن قنطارا قال: ألف دينار، ذكره وحكى الطبري، أنه قيل: إن القنطار هو رطل ذهبا أو فضة، وأظنها وهما، وأن القول مائة رطل فسقطت "مائة" للناقل. والقنطار إنما هو اسم المعيار الذي يوزن به، كما هو الرطل والربع، ويقال لما بلغ ذلك الوزن: هذا قنطار أي يعدل القنطار. الزجاج والعرب تقول: قنطر الرجل إذا بلغ ماله أن يوزن بالقنطار. وقال القنطار مأخوذ من عقد الشيء وإحكامه، والقنطرة المعقودة نحوه، فكأن القنطار عقدة مال. الزجاج:
واختلف الناس في معنى قوله: "المقنطرة" فقال معناه: المضعفة، وكأن القناطير ثلاثة والمقنطرة تسع، وقد تقدم ذكر هذا النظر، وقال الطبري: معناه: [ ص: 174 ] المال الكثير بعضه فوق بعض. وقال الربيع: معنى المقنطرة: المضروبة حتى صارت دنانير أو دراهم. وقال السدي: المقنطرة المكملة، والذي أقول: إنها إشارة إلى حضور المال وكونه عتيدا، فذلك أشهى في أمره، وذلك أنك تقول في رجل غني من الحيوان والأملاك: فلان صاحب قناطير مال، أي لو قومت أملاكه لاجتمع من ذلك ما يعدل قناطير، وتقول في صاحب المال الحاضر العتيد: هو صاحب قناطير مقنطرة، أي قد حصلت كذلك بالفعل بها، أي قنطرت فهي مقنطرة، وذلك أشهى للنفوس وأقرب للانتفاع وبلوغ الآمال. وقد قال مكي: ما المال إلا ما حازته العياب، وإذا كان هذا فسواء كان المال مسكوكا أو غير مسكوك، أما أن المسكوك أشهى لما ذكرناه، ولكن لا تعطي ذلك لفظة "المقنطرة". مروان بن الحكم:
"والخيل" جمع خائل عند سمي بذلك الفرس لأنه يختال في مشيه فهو كطائر وطير، وقال غيره: هو اسم جمع لا واحد له من لفظه. أبي عبيدة،
واختلف المفسرون في معنى "المسومة"، فقال سعيد بن جبير وابن عباس وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبزى والحسن والربيع معناه: الراعية في المروج والمسارح، تقول: سامت الدابة والشاة إذا سرحت وأخذت سومها من الرعي، أي غاية جهدها ولم تقصر عن حال دون حال، وأسمتها أنا إذا تركتها لذلك، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ومجاهد: ومنه قوله عز وجل: "في سائمة الغنم الزكاة" فيه تسيمون ، وروي عن أنه قال: المسومة معناه: المطهمة الحسان، وقاله مجاهد سومها الحسن. عكرمة:
[ ص: 174 ] وروي عن أنه قال: المسومة معناه: المعلمة، شيات الخيل في وجوهها، "وقاله ابن عباس ويشهد لهذا القول بيت قتادة" لبيد:
وغداة قاع القرنتين أتينهم ... زجلا يلوح خلالها التسويم
وأما قول : النابغة:
بسمر كالقداح مسومات ... عليها معشر أشباه جن
فيحتمل أن يريد المطهمة الحسان، ويحتمل أن يريد المعلمة بالشيات ويحتمل أن يريد المعدة. وقد فسر الناس قوله تعالى: مسومة عند ربك بمعنى معدة، وقال في قوله تعالى: ابن زيد والخيل المسومة معناه: . المعدة للجهاد
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: قوله للجهاد ليس من تفسير اللفظة.
"والأنعام" الأصناف الأربعة: الإبل والبقر والضأن والمعز. "والحرث" هنا اسم لكل ما يحرث، وهو مصدر سمي به، تقول: حرث الرجل حرثا إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة، فيقع اسم الحرث على زرع الحبوب وعلى الجنات وغير ذلك من أنواع الفلاحة. وقوله تعالى: إذ يحكمان في الحرث قال جمهور المفسرين: كان كرما.
والمتاع: ما يستمتع به وينتفع مدة ما منحصرة. و"المآب": المرجع، تقول: آب الرجل يؤوب، ومنه قول الشاعر: [ ص: 175 ]
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . رضيت من الغنيمة بالإياب
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . إذا ما القارظ العنزي آبا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .. وغائب الموت لا يؤوب
وأصل مآب مأوب، نقلت حركة الواو إلى الهمزة وأبدل من الواو ألف، مثل مقال، فمعنى الآية تقليل أمر الدنيا وتحقيرها، والترغيب في حسن المرجع إلى الله تعالى في الآخرة.
وفي قوله: "زين للناس" الآية، تحسر ما على نحو ما في قول النبي عليه السلام: الحديث;. وقوله تعالى: "تتزوج المرأة لأربع".... قل أأنبئكم الآية بمثابة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فاظفر بذات الدين".