قوله عز وجل :
إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق ويقتلون الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم أولئك الذين حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وما لهم من ناصرين
قال محمد بن جعفر بن الزبير وغيره: إن هذه الآية في اليهود والنصارى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتعم كل من كان بهذه الحال. والآية توبيخ للمعاصرين لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمساوئ أسلافهم وببقائهم أنفسهم على فعل ما أمكنهم من تلك المساوئ; لأنهم كانوا حرصى على قتل محمد عليه السلام. وروي أن بني إسرائيل قتلوا في يوم واحد سبعين نبيا وقامت سوق البقل بعد ذلك. وروى عن النبي عليه الصلاة والسلام أبو عبيدة بن الجراح وذلك معنى قوله تعالى: [ ص: 184 ] أنهم قتلوا ثلاثة وأربعين نبيا، فاجتمع من خيارهم وأحبارهم مائة وعشرون ليغيروا وينكروا فقتلوا أجمعين، كل ذلك في يوم واحد; ويقتلون الذين يأمرون بالقسط . وقوله تعالى: بغير حق مبالغة في "التحرير للذنب إذ في الإمكان" أن يقتضي ذلك أمر الله تعالى بوجه ما من تكرمة النبي أو غير ذلك. وعلى هذا المعنى تجيء أفعل من كذا، إذا كان فيها شياع مثل: أحب وخير وأفضل ونحوه مقولة بين شيئين ظاهرهما الاشتراك بينهما.
وقرأ جمهور الناس: "ويقتلون الذين" وقرأ وجماعة من غير السبعة: "ويقاتلون الذين"، وفي مصحف حمزة "وقاتلوا الذين" ، وقرأها ابن مسعود: وكلها متوجهة، وأبينها قراءة الجمهور. الأعمش،
والقسط: العدل، وجاءت البشارة بالعذاب من حيث نص عليه، وإذا جاءت البشارة مطلقة فمجملها فيما يستحسن.
ودخلت الفاء في قوله: "فبشرهم" لما في "الذي" من معنى الشرط في هذا الموضع، فذلك بمنزلة قولك: الذي يفعل كذا فله كذا، إذا أردت أن ذلك إنما يكون له بسبب فعله الشيء الآخر، فيكون الفعل في صلتها، وتكون بحيث لم يدخل عليها عامل يغير معناها، كليت ولعل، وهذا المعنى نص في كتاب في باب ترجمته "هذا باب الحروف التي تتنزل منزلة الأمر والنهي، لأن فيها معنى الأمر والنهي". سيبويه
"وحبطت" معناه: بطلت وسقط حكمها، وحبطها في الدنيا: بقاء الذم واللعنة [ ص: 185 ] عليهم، وحبطها في الآخرة: كونها هباء منبثا وتعذيبهم عليها. وقرأ ابن عباس وأبو السمال العدوي: "حبطت" بفتح الباء وهي لغة، ثم نفى النصر عنهم في كلا الحالين.