قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب
قال بعض العلماء: إن هذه الآية دافعة لباطل نصارى نجران في قولهم: إن عيسى هو الله، وذلك أن هذه الأوصاف تبين لكل صحيح الفطرة; أن عيسى عليه السلام ليس في شيء منها، وقال "ذكر لنا قتادة: أن النبي عليه الصلاة والسلام سأل ربه أن يجعل في أمته ملك فارس والروم" فنزلت الآية في ذلك. وقال الملك في هذه الآية: النبوة. والصحيح أنه مالك الملك كله مطلقا في جميع أنواعه، وأشرف ملك يؤتيه سعادة الآخرة، وروي أن الآية نزلت بسبب أن النبي عليه الصلاة والسلام بشر أمته بفتح ملك مجاهد: فارس وغيره فقالت اليهود والمنافقون: هيهات وكذبوا ذلك.
واختلف النحويون في تركيب لفظة "اللهم" بعد إجماعهم على أنها مضمومة الهاء مشددة الميم المفتوحة وأنها منادى، ودليل ذلك أنها لا تأتي مستعملة في معنى خبر، فمذهب الخليل والبصريين أن الأصل: "يا الله"، فلما استعملت الكلمة دون حرف النداء الذي هو "يا" جعلوا بدل حرف النداء هذه الميم المشددة، والضمة في الهاء هي ضمة الاسم المنادى المفرد، وذهب حرفان فعوض بحرفين. ومذهب وسيبويه والكوفيين أن أصل "اللهم" يا الله أم: أي أم بخير، وأن ضمة الهاء هي ضمة الهمزة التي كانت في "أم" نقلت. ورد الفراء على هذا القول وقال: محال أن يترك الضم الذي هو دليل على نداء المفرد وأن تجعل في اسم الله ضمة "أم"، هذا إلحاد في اسم الله تعالى. وهذا غلو من الزجاج وقال أيضا: إن هذا الهمز الذي يطرح في الكلام، فشأنه أن يؤتى به أحيانا كما قالوا: ويلمه في ويل أمه، والأكثر إثبات الهمزة، وما سمع قط يا الله أم في هذا اللفظ. وقال أيضا: ولا تقول الزجاج. العرب يا اللهم. وقال الكوفيون: إنه قد يدخل [ ص: 188 ] حرف النداء على "اللهم" وأنشدوا على ذلك:
وما عليك أن تقولي كلما ... سبحت أو هللت ياللهم ما
اردد علينا شيخنا مسلما
وخص الله تعالى: "الخير" بالذكر وهو تعالى بيده كل شيء، إذ الآية في معنى دعاء [ ص: 189 ] ورغبة، فكأن المعنى: بيدك الخير فأجزل حظي منه. وقيل: المراد بيدك الخير والشر فحذف لدلالة أحدهما على الآخر، كما قال: تقيكم الحر . قال بيدك الخير أي: النصر والغنيمة، فحذف لدلالة أحدهما. النقاش:
وقال ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة والسدي في معنى قوله تعالى: وابن زيد تولج الليل في النهار .... الآية: أنه ما ينتقص من النهار فيزيد في الليل، وما ينتقص من الليل فيزيد في النهار، دأبا كل فصل من السنة، وتحتمل ألفاظ الآية أن يدخل فيها تعاقب الليل والنهار كأن زوال أحدهما ولوج في الآخر.
واختلف المفسرون في معنى قوله تعالى: وتخرج الحي من الميت .... الآية، فقال معناه تخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن، وروي نحوه عن الحسن: وروى سلمان الفارسي. الزهري خالدة بنت الأسود بن عبد يغوث، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سبحان الذي يخرج الحي من الميت" وكانت امرأة صالحة، وكان أبوها كافرا وهو أحد المستهزئين الذين كفيهم النبي صلى الله عليه وسلم. عليه السلام. فالمراد على هذا القول موت قلب الكافر وحياة قلب المؤمن، والحياة والموت مستعاران. أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بعض أزواجه فإذا بامرأة حسنة النغمة فقال: "من هذه؟ قالت: إحدى خالاتك، فقال: إن خالاتي بهذه البلدة لغرائب، أي خالاتي هي؟ قالت:
وذهب جمهور كثير من العلماء إلى أن الحياة والموت في الآية إنما هما الحياة حقيقة والموت حقيقة لا باستعارة، ثم اختلفوا في المثل التي فسروا بها فقال هو إخراج الدجاجة وهي حية من البيضة وهي ميتة، وإخراج البيضة وهي ميتة من الدجاجة وهي حية، ولفظ الإخراج في هذا المثال وما ناسبه لفظ متمكن على عرف استعماله. عكرمة:
وقال في تفسير الآية: هي النطفة تخرج من الرجل وهي ميتة وهو [ ص: 190 ] حي، ويخرج الرجل منها وهي ميتة. ولفظ الإخراج في تنقل النطفة حتى تكون رجلا إنما هو عبارة عن تغير الحال، كما تقول في صبي جيد البنية: يخرج من هذا رجل قوي، وهذا المعنى يسميه عبد الله بن مسعود التجريد، أي تجرد الشيء من حال إلى حال هو خروج. وقد يحتمل قوله تعالى: ( ويخرج الميت من الحي ) أن يراد به أن الحيوان كله يميته فهذا هو معنى التجريد بعينه، وأنشد ابن جني: على ذلك: ابن جني
أفاءت بنو مروان ظلما دماءنا ... وفي الله - إن لم ينصفوا- حكم عدل
وروى عن السدي أبي مالك قال في تفسير الآية: هي الحبة تخرج من السنبلة، والسنبلة تخرج من الحبة، والنواة تخرج من النخلة، والنخلة تخرج من النواة، والحياة في النخلة والسنبلة تشبيه.
وقوله تعالى: بغير حساب قيل معناه: بغير حساب منك، لأنه تعالى لا يخاف أن تنتقص خزائنه، هذا قول وغيره. وقيل: معنى بغير حساب: أي من أحد لك، لأنه تعالى لا معقب لأمره. وقرأ الربيع في رواية عاصم أبي بكر، وابن كثير وأبو عمرو "الميت" بسكون الياء في جميع القرآن. وروى وابن عامر حفص عن "من الميت" بتشديد الياء، وقرأ عاصم نافع وحمزة "الميت" بتشديد الياء في هذه الآية، وفي قوله: إلى "بلد ميت" و "لبلد ميت" وخفف والكسائي حمزة غير هذه الحروف. قال والكسائي الميت هو الأصل، والواو التي هي عين منه انقلبت ياء لإدغام الياء فيها، و "ميت" بالتخفيف محذوف منه عينه أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب، والحذف حسن والإتمام حسن، وما مات وما لم يمت في هذا الباب يستويان في الاستعمال. أبو علي:
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وذهب قوم إلى أن الميت بالتخفيف إنما يستعمل فيما قد مات، وأما الميت بالتشديد فيستعمل فيما مات وفيما لم يمت بعد.