قوله عز وجل:
وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين
هذه الآية في ذكر الربيين، أي هذا كان قولهم، لا ما قاله بعضكم يا أصحاب محمد، من قول من قال: نأخذ أمانا من ومن قول من قال: نرجع إلى ديننا الأول، ومن قول من فر، فلا شك أن قوله مناسب لفعله ولو بعض المناسبة، إلى غير ذلك مما اقتضته تلك الحال من الأقوال. أبي سفيان،
وقرأ السبعة وجمهور الناس: "قولهم" بالنصب، ويكون الاسم فيما بعد "إلا"، وقرأ جماعة من القراء "قولهم" بالرفع، وجعلوا الخبر فيما بعد "إلا"، وروى ذلك عن حماد بن سلمة ابن كثير، وأبو بكر عن ذكره عاصم، المهدوي.
واستغفار هؤلاء القوم الممدوحين في هذا الموطن ينحو إلى أنهم رأوا ما نزل من مصائب الدنيا إنما هو بذنوب من البشر، كما نزلت قصة أحد بعصيان من عصا.
وقوله تعالى: ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا عبارتان عن معنى قريب بعضه من بعض، جاء ذلك للتأكيد ولتعلم مناحي الذنوب، وكذلك فسر وغيره. وقال ابن عباس الذنوب عام، والإسراف في الأمر أريد به الكبائر خاصة. الضحاك:
وقوله: وثبت أقدامنا يحتمل أن يجري مع ما قبله من معنى الاستغفار، فيكون المعنى: اجعلنا دائبين على طاعتك والإيمان بك، وتثبيت القدم على هذا استعارة، ويحتمل أن يكون في معنى ما بعده من قوله: وانصرنا على القوم الكافرين فيراد ثبوت القدم حقيقة في مواقف الحرب; قال في هذا الدعاء رد على ابن فورك: القدرية، لقولهم: إن الله لا يخلق أفعال العبد، ولو كان ذلك لم يسغ أن يدعى فيما لا يفعله.
[ ص: 383 ] و"ثواب الدنيا" في هذه الآية: الظهور على عدوهم، قاله ابن إسحاق وغيرهما، وقال وقتادة الظفر والغنيمة، وفسر بهذا جماعة من المؤلفين في التفسير، قال ابن جريج: ليس إلا الظفر والغلبة فقط، لأن الغنيمة لم تحل إلا لهذه الأمة. النقاش:
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا اعتراض صحيح.
وحسن ثواب الآخرة الجنة بلا خلاف، وعبر بلفظة "حسن" زيادة في الترغيب وباقي الآية بين.