قوله عز وجل:
ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا ربنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد
هذه الآيات حكاية عن أولي الألباب أنهم يقولون: ربنا ربنا. قال يرحم الله المؤمنين ما زالوا يقولون: ربنا ربنا حتى استجيب لهم. أبو الدرداء:
واختلف المتأولون في المنادي; فقال ابن جريج وغيرهما: المنادي وابن زيد محمد صلى الله عليه وسلم، وقال المنادي كتاب الله وليس كلهم رأى النبي صلى الله عليه وسلم وسمعه، ولما كانت "ينادي" بمنزلة يدعو، حسن وصولها باللام بمعنى إلى الإيمان. محمد بن كعب القرظي:
وقوله: "أن آمنوا"; "أن"، مفسرة لا موضع لها من الإعراب. وغفران الذنوب وتكفير السيئات أمر قريب بعضه من بعض، لكنه كرر للتأكيد، ولأنها مناح من الستر، وإزالة حكم الذنب بعد حصوله، و"الأبرار" جمع بر، أصله: برر على وزن فعل، أدغمت الراء في الراء، وقيل: هو جمع بار كصاحب وأصحاب، والمعنى: توفنا معهم في كل أحكامهم وأفعالهم.
[ ص: 450 ] وقوله: ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك معناه: على ألسنة رسلك، وقرأ "رسلك" بسكون السين. وطلبوا من الله تعالى إنجاز الوعد، وهو تعالى من لا يجوز عليه خلفه من حيث في طلبه الرغبة أن يكونوا ممن يستحقه، فالطلبة والتخوف إنما هو في جهتهم لا في جهة الله تعالى، لأن هذا الدعاء إنما هو في الدنيا، فمعنى قول المرء: اللهم أنجز لي وعدك، إنما معناه: اجعلني ممن يستحق إنجاز الوعد، وقيل: معنى دعائهم الاستعجال مع ثقتهم بأن الوعد منجز. وقال الأعمش: وغيره: معنى الآية ما وعدتنا على ألسنة رسلك من النصر على الأعداء فكأن الدعوة إنما هي في حكم الدنيا. الطبري
وقولهم: ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد إشارة إلى قوله تعالى: يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه ، فهذا وعده تعالى وهو دال على أن الخزي إنما هو مع الخلود.