قوله عز وجل:
الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم وإخوانكم أولياء إن استحبوا الكفر على الإيمان ومن يتولهم منكم فأولئك هم الظالمون
لما حكم الله تعالى في الآية المتقدمة بأن الصنفين لا يستوون بين ذلك في هذه الآية الأخيرة، وأوضحه، فعدد الإيمان والهجرة، والجهاد بالمال والنفس، وحكم أن أهل هذه الخصال أعظم درجة عند الله من جميع الخلق، ثم حكم لهم بالفوز برحمته، ورضوانه، والفوز: بلوغ البغية، إما في نيل رغبة، أو نجاة من مهلكة، وينظر إلى معنى هذه الآية الحديث الذي جاء "دعوا لي أصحابي، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه" .
[ ص: 281 ] قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
لأن أصحاب هذه الخصال على سيوفهم انبنى الإسلام، وهم ردوا الناس إلى الشرع.
وقوله تعالى: يبشرهم ربهم الآية، هذه آية وعد، وقراءة الناس: "يبشرهم" بضم الياء وكسر الشين المشددة، وقرأ ، الأعمش ،، وحميد بن هلال: "يبشرهم" بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين خفيفة، وأسند وطلحة بن مصرف إلى الطبري جابر ابن عبد الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ، وفي "إذا دخل أهل الجنة الجنة قال الله عز وجل: أعطيتكم أفضل من هذا، فيقولون: ربنا أي شيء أفضل من هذا؟ قال: رضواني" في كتاب السنة منه: البخاري . "فلا أسخط عليكم أبدا"
وقرأ الجمهور: "ورضوان" بكسر الراء، وقرأ ، عاصم وعمرو: "ورضوان" بضم الراء، وقرأ بضم الراء والضاد جميعا، قال الأعمش : لا يجوز هذا. أبو حاتم
وقوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا آباءكم الآية.
ظاهر هذه المخاطبة أنها لجميع المؤمنين كافة، وهي باقية الحكم إلى يوم القيامة، وروت فرقة أن هذه الآية إنما نزلت في الحض على الهجرة ورفض بلاد الكفر، فالمخاطبة -على هذا- إنما هي للمؤمنين الذين كانوا في مكة وغيرها من بلاد العرب، خوطبوا بألا يوالوا الآباء والإخوة فيكونون لهم تبعا في سكنى بلاد الكفر، ولم يذكر الأبناء في هذه الآية إذ الأغلب من البشر أن الأبناء هم التبع للآباء. و "الإخوان" في هذه الآية جمع أخ النسب، وكذلك هي في قوله تعالى: أو بيوت إخوانكم .
[ ص: 282 ] وقرأ : "أن استحبوا" بفتح الألف من "أن"، وقرأ الجمهور "إن" بكسر الألف على الشرط، و"استحبوا" متضمنة معنى: فضلوا وآثروا، ولذلك تعدت بـ "على". عيسى بن عمر
ثم حكم الله تعالى بأن من والاهم واتبعهم في أغراضهم فإنه ظالم، أي واضع للشيء غير موضعه، وهذا ظلم المعصية لا ظلم الكفر.