مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف لا يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلال البعيد ألم تر أن الله خلق السماوات والأرض بالحق إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز
اختلف في الشيء الذي ارتفع به "مثل"، فمذهب أن التقدير: فيما يتلى عليكم، أو يقص مثل الذين كفروا، ومذهب سيبويه الكسائي أنه ابتداء خبره "كرماد" والتقدير عندهم: مثل الذين كفروا كرماد، وقد حكي عن والفراء أنه يرى إلغاء "مثل"، وأن المعنى: الذين كفروا أعمالهم كرماد، وقيل: هو ابتداء، و"أعمالهم" ابتداء ثان، و"كرماد" خبر الثاني، والجملة خبر الأول، وهذا عندي أرجح الأقوال، وكأنك قلت: [ ص: 236 ] المتحصل في النفس الذين كفروا، هذه الجملة المذكورة، وهي: أعمالهم كرماد، وهذا يطرد عندي في تقدير قوله تعالى: " مثل الجنة " ، وشبهت أعمال الكفرة ومساعيهم -في فسادها وقت الحاجة وتلاشيها- بالرماد الذي تذروه الريح وتفرقه لشدتها، حتى لا يبقى أثر، ولا يجتمع منه شيء، ووصف اليوم بالعصوف وهي من صفة الريح بالحقيقة لما كانت في اليوم، ومن هذا المعنى قول الشاعر : الفراء
وقد لمتنا يا أم غيلان في السرى ... ونمت وما ليل المطي بنائم
ومنه قول الآخر:
يومين غيمين ويوما شمسا
[ ص: 237 ] فأعمال الكفرة لتلاشيها لا يقدرون منها على شيء، وقرأ وحده، نافع "الرياح"، والباقون: "الريح" بالإفراد، وقد تقدم هذا ومعناه مستوفى بحمد الله. وأبو جعفر:
وقوله: "ذلك" إشارة إلى كونهم بهذه الحالة، وعلى مثل هذا الغرر، و الضلال البعيد : الذي قد تعمق فيه صاحبه وأبعد عن لاحب النجاة. وقرأ ابن أبي إسحاق ، وإبراهيم النخعي وابن أبي بكر : "في يوم عاصف: بإضافة "يوم" إلى "عاصف"، وهذا بين.
وقرأ السلمي: "ألم تر" بسكون الراء، بمعنى: "ألم تعلم"، من رؤية القلب، وقرأ ، ابن كثير ، ونافع ، وأبو عمرو ، وعاصم : وابن عامر خلق السماوات ، وقرأ ، حمزة : "خالق السماوات"، فوجه الأول أنه فعل قد مضى، فذكر كذلك، ووجه الثانية: أنه كـ والكسائي فاطر السماوات والأرض و فالق الإصباح ، وقوله: "بالحق" أي: بما يحق في وجوده من جهة مصالح عباده، وإنفاذ سابق قضائه، ولتدل عليه وعلى قدرته، ثم توعد تبارك وتعالى بقوله: إن يشأ يذهبكم أي يعدمكم ويطمس آثاركم. وقوله: بخلق جديد يصح أن يريد: من فرق بني آدم ، ويصح غير ذلك. وقوله: وما ذلك على الله بعزيز أي بممتنع.