ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون
ولا تركنوا أي: لا تميلوا أدنى ميل إلى الذين ظلموا أي: إلى الذين وجد منهم الظلم في الجملة، ومدار النهي هو الظلم، والجمع باعتبار جمعية المخاطبين، وما قيل من أن ذلك للمبالغة في النهي من حيث إن كونهم جماعة مظنة الرخصة في مداهنتهم - إنما يتم أن لو كان المراد النهي عن الركون إليهم من حيث أنهم جماعة وليس كذلك.
فتمسكم بسبب ذلك النار وإذا كان حال الميل في الجملة إلى من وجد منه ظلم ما في الإفضاء إلى مساس النار هكذا، فما ظنك بمن يميل إلى الراسخين في الظلم والعدوان ميلا عظيما، ويتهالك على مصاحبتهم ومنادمتهم، ويلقي شراشره على مؤانستهم ومعاشرتهم، ويبتهج بالتزيي بزيهم، ويمد عينيه إلى زهرتهم الفانية، ويغبطهم بما أوتوا من القطوف الدانية؟! وهو في الحقيقة من الحبة طفيف، ومن جناح البعوض خفيف، بمعزل عن أن تميل إليه القلوب، ضعف الطالب والمطلوب.
والآية أبلغ ما يتصور في النهي عن الظلم والتهديد عليه، وخطاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن معه من المؤمنين للتثبيت على الاستقامة التي هي العدل، فإن الميل إلى أحد طرفي الإفراط والتفريط ظلم على نفسه، أو على غيره، وقرئ (تركنوا) على لغة تميم و(تركنوا) على صيغة البناء للمفعول من أركنه.
وما لكم من دون الله من أولياء أي: من أنصار ينقذونكم من النار، والجملة نصب على الحالية من قوله: "فتمسكم النار" ونفي الأولياء ليس بطريق نفي أن يكون لكل واحد منهم أولياء حتى يصدق أن يكون له ولي، بل لمكان (لكم) بطريق انقسام الآحاد على الآحاد، لكن لا على معنى نفي استقلال كل منهم بنصير، بل على معنى نفي أن يكون لواحد منهم نصير بقرينة المقام.
ثم لا تنصرون من جهة الله سبحانه؛ إذ قد سبق في حكمه أن يعذبكم بركونكم إليهم، ولا يبقي عليكم و"ثم" لتراخي رتبة كونهم غير منصورين من جهة الله بعدما أوعدهم بالعذاب وأوجبه عليهم، ويجوز أن يكون منزلا منزلة الفاء، بمعنى الاستبعاد، فإنه لما بين أن الله تعالى معذبهم وأن غيره لا ينقذهم أنتج أنهم لا ينصرون أصلا.