وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين
وإن كان قميصه قد من دبر فكذبت وهو من الصادقين إلى التسليم والقبول عند السامع لكونه أقرب إلى الوقوع، وأدل على المطلوب، وإن لم يكن بين طرفيها أيضا ملازمة، وحكاية الشرطية بعد فعل الشهادة لكونها من قبيل الأقوال، أو بتقدير القول، أي: شهد قائلا... إلخ، وتسميتها شهادة - مع أنه لا حكم فيها بالفعل بالصدق والكذب - لتأديتها مؤداها، بل لأنها شهادة على الحقيقة وحكم بصدقه وكذبها، أما على تقدير كون الشاهد هو الصبي فظاهر؛ إذ هو إخبار بهما من قبل علام الغيوب، والتصوير بصورة الشرطية للإيذان بأن ذلك ظاهر من العلائم أيضا، وأما على تقدير كونه غيره فلأن الظاهر أن صورة الحال معلومة له على ما هي عليه، إما مشاهدة أو إخبارا، فهو متيقن بعدم مقدم الشرطية الأولى، وبوجود مقدم الشرطية الثانية، ومن ضرورته الجزم بانتفاء تالي الأولى وبوقوع تالي الثانية، فإذن هو إخبار بكذبها وصدقه - عليه السلام - لكنه ساق شهادته مساقا مأمونا من الجرح والطعن، حيث صورها بصورة الشرطية المترددة ظاهرا بين نفعها ونفعه، وأما حقيقة فلا تردد فيها قطعا؛ لأن الشرطية الأولى تعليق لصدقها بما يستحيل وجوده من قد القميص من قبل، فيكون محالا لا محالة، ومن ضرورته تقرر كذبها، والثانية تعليق لصدقه - عليه السلام - بأمر محقق الوجود، وهو القد من دبر، فيكون محققا البتة.
وهذا كما قيل فيمن قال لامرأة: زوجيني نفسك، فقالت: لي زوج، فكذبها في ذلك، فقالت: إن لم يكن لي زوج فقد زوجتك نفسي، فقبل الرجل، فإذا لا زوج لها فهو نكاح؛ إذ تعليق الشيء بأمر مقرر تنجير له.
وقرئ (من قبل ومن دبر) بالضم؛ لأنهما قطعا عن الإضافة كقبل وبعد، وبالفتح كأنهما جعلا علمين للجهتين فمنعا الصرف للتأنيث والعلمية، وقرئ بسكون العين.