فلما رأى قميصه قد من دبر كأنه لم يكن رأى ذلك بعد، أو لم يتدبره فلما تنبه له وعلم حقيقة الحال قال إنه أي: الأمر الذي وقع فيه التشاجر، وهو عبارة عن إرادة السوء التي أسندت إلى يوسف ، وتدبير عقوبته بقولها: ما جزاء من أراد بأهلك سوءا إلى آخره، لكن لا من حيث صدور تلك الإرادة والإسناد عنها، بل مع قطع النظر عن ذلك لئلا يخلو قوله تعالى: من كيدكن - أي: من جنس حيلتكن ومكركن أيتها النساء لا من غيركن - عن الإفادة وتدبير العقوبة، وإن لم يمكن تجريده عن الإضافة إليها، إلا أنها لما صورته بصورة الحق أفاد الحكم بكونه من كيدهن إفادة ظاهرة، فتأمل، وتعميم الخطاب للتنبيه على أن ذلك خلق لهن عريق:
ولا تحسبا هندا لها الغدر وحدها سجية نفس كل غانية هند
ورجع الضمير إلى قولها: (ما جزاء من أراد بأهلك سوءا) فقط عدول عن البحث عن أصل ما وقع فيه النزاع من أن [ ص: 270 ] إرادة السوء ممن هي إلى البحث عن شعبة من شعبه، وجعل للسوء أو للأمر المعبر به عن طمعها في يوسف - عليه السلام - يأباه الخبر، فإن الكيد يستدعي أن يعتبر مع ذلك هنات أخر من قبلها، كما أشرنا إليه.
إن كيدكن عظيم فإنه أطلف وأعلق بالقلب وأشد تأثيرا في النفس، وعن بعض العلماء: إني أخاف من النساء ما لا أخاف من الشيطان، فإنه تعالى يقول: إن كيد الشيطان كان ضعيفا وقال للنساء: إن كيدكن عظيم ولأن الشيطان يوسوس مسارقة وهن يواجهن به الرجال.